بقلم حسن عبّاس:

"الطبقة السياسية تؤله الهجرة ومنافعها، لكنّها تُحجم عن إبراز الجانب الآخر من الحقيقة وهو التكاليف المرتبطة بها".

لعلّ هذه الجملة التي يقولها الخبير الاقتصادي اللبناني ومدير عام مؤسسة البحوث والاستشارات كمال حمدان، تلخّص السجال الدائر في معظم البلاد العربية حول محاسن الهجرة ومضارّها.

لماذا يهاجرون؟

يشتهر لبنان بهجرة أبنائه وبتفرّقهم حول العالم لإيجاد فرص عمل لا تتوفّر فيه. ويقول الخبير الاقتصادي اللبناني وأستاذ الاقتصاد في جامعة سيدة اللويزة لويس حبيقة إنّ "المشكلة هي أن سوق العمل لا يستطيع استيعاب عدد الخريجين الكبير، وبالتالي فإن الهجرة أمر طبيعي وليست شيئاً مهيناً"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أن "لبنان بلد صغير وحدوده لا تلبّي طموحات أبنائه".

ويؤكد كمال حمدان لموقع (إرفع صوتك) "لكي تبقى اليد العاملة في لبنان يجب أن يتوفّر طلب عليها. لكن بنية المؤسسات الاقتصادية الموجودة ليست من النوع الذي يخلق طلباً على اليد العاملة".

ويشرح أنه في لبنان 200 ألف مؤسسة، لكن 97% منها تشغّل أقل من 10 عمّال و91% منها تشغّل أقل من خمسة عمّال، مستخلصاً أن "هذا النمط الإنتاجي لا يخلق فرص عمل"، خاصةً في بلد يخرّج سنوياً 35 ألف جامعي.

وبعد تمييزه بين المهاجر وبين الشخص الذي يسافر ليعمل ثم يعود كما هو حال معظم المسافرين إلى دول الخليج وأفريقيا، يشير حبيقة إلى أنّه "حتى المغادر المؤقت صار يبحث عن هجرة دائمة لأنّ الأوضاع في المنطقة لا تعطيه أملاً بمستقبل أفضل".

إيجابيات الهجرة

يلاحظ حبيقة أنّه "إذا بقي المهاجرون في بلدهم فإن الأمر سيكون أسوأ، فالمنطقة ليس فيها مستقبل للشباب وهي المنطقة الوحيدة في العالم التي لا تتطوّر، وبالتالي لكانت كارثة ولشهدنا زيادة في نسبة البطالة وفي التظاهرات والاحتجاجات".

ويلفت حمدان إلى أنّه "إذا بقيت اليد العاملة المهاجرة مرتبطة ببلد المنشأ وقامت بإرسال تحويلات مالية إليه فإن في ذلك إيجابية".

وفي أواخر العام الماضي، قدّر البنك الدولي تحويلات المغتربين إلى لبنان بـ7.5 مليار دولار أميركي عن عام 2015. وبلغ حجم هذه التحويلات 7.45 مليار دولار عام 2014 و7.86مليار عام 2013، و6،73 عام 2012.

وتشكّل تحويلات المغتربين التي تقدّر بقرابة 14.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مصدراً أساسياً لنمو الودائع المصرفية في المصارف اللبنانية ما يساهم في تغطية القروض الممنوحة للقطاعين العام والخاص.

وعن ذلك يقول حمدان "أكاد أقول إن ما يمنع انفجار الأزمة الاقتصادية في لبنان هو صمّام الأمان هذا".

من ناحية ثانية، يلفت حمدان إلى أن من إيجابيات الهجرة "الاحتكاك بشعوب مختلفة وتجارب اقتصادية وبيئات عمل مختلفة. فهذا نوع من التمرين في دول فيها أنشطة اقتصادية متطوّرة تكنولوجياً".

ويرى أنه "إذا توفّرت شروط أفضل في البلد، وهذا الأمر نظري، ستعود اليد العاملة مع أفكار جديدة وادخارات، وستأتي بقدرات مهنية وتجارب راكمتها من انكشافها على التكنولوجيا والعمل المنظّم. وهذه ثروات هائلة".

سيئات الهجرة

لكن في المقابل، للهجرة سيئات كثيرة. "نخسر الشباب والشابات بمعنى أن ما ينتجونه في الخارج لا يدخل في حسابات الاقتصاد الوطني"، يقول حبيقة.

ويتابع "أفضل جزء من المجتمع المنتج هو الذي يغادر"، مؤكداً أن "الأموال التي يحوّلونها إلى الداخل لا توازي خسارتهم. فحين ينتج شخص وينفق في بلده، سيفرق ذلك كثيراً عن مجرّد تحويله جزءاً من أمواله".

لكن، وبواقعية شديدة، يعتبر أن "بقاء الخبراء المتفوّقين هنا هو هدر لطاقاتهم. فهنا لا تمويل للأبحاث ولا مختبرات".

أما حمدان، فيقول إن "هنالك موارد بشرية هائلة كان يمكن أن يستفيد منها الاقتصاد الوطني ولكنّنا فور جاهزيتها للدخول إلى سوق العمل نبيعها، وهذا يؤكد الطابع الريعي للاقتصاد اللبناني".

ويضيف أنه "لو أجرينا تحليل التكلفة والفائدة Cost-benefit Analysis بين انخراط هؤلاء المهاجرين في بُنى الإنتاج الوطني وبين السبعة أو ثمانية مليارات التي يحوّلونها لكانت المنافع للبلد أكبر لو بقوا فيه".

طرد الكفاءات؟

يتأسف حمدان على أن "أطراف الحكم من كل التشكيلات السياسية لا يبحثون عن تطوير البلد"، لافتاً إلى أنه "في ظروف بلد كلبنان، ستشكل عودة المهاجرين صدمة إيجابية هائلة لأنّهم سيملأون البلد بالاستثمارات".

ويتهم حبيقة الطبقة السياسية بعدم الاهتمام بخلق مناخات لاستيعاب الطاقات المهاجرة ويقول إنّ "ما يهمها هو بقاء الوضع على ما هو عليه لتستمر في السلطة".

ويؤكد حمدان أن هجرة الشباب، بمهاراتهم العالية وتطلعاتهم المهنية القوية، لها بعد سياسي واجتماعي. ويتحدث عن "انعكاسات سلبية على شكل الحركة النقابية وعلى نوعية الحركات السياسية"، مضيفاً أنّه بعد خروجهم من الساحة "تصير مطالبة الطبقة السياسية بتحسين الأمور أقل، وتضعف المطالبة بالمحاسبة".

الصورة: طائرات تابعة لخطوط طيران الشرق الأوسط في مطار بيروت الدولي/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.