مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

يمكن للثورات أن ترفع شعار تحقيق العدالة الاجتماعية وتطالب بتحقيقه، لكن يصعب عليها تطبيقه على أرض الواقع، ذلك لأنّ تنفيذه يقع على عاتق الحكومات وليس الأفراد.

وهو الأمر الذي ينطبق على المشهد الاجتماعي في مصر منذ ثورة كانون الثاني/يناير 2011، حيث تحدثت الحكومات المتعاقبة عن العدالة الاجتماعية وسعت إلى تطبيقها، كلٌ بحسب مفهومها. ومع تغيّر الحكومة، يتوقف برنامجها وتبدأ الحكومة التالية بالحديث من جديد والبدء من نقطة الصفر.

ويتحدث في هذا الإطار النائب المصري هيثم الحريري ضارباً المثال بضريبة الدخل التي كان قد شرع الدكتور سمير رضوان وزير المالية الأسبق في تطبيقها وقامت بإلغائها حكومة المهندس إبراهيم محلب.

حبر على ورق؟

ويشير الحريري وهو أحد المشاركين بثورة يناير 2011 في حديث لموقع (إرفع صوتك) إلى أنّه "لم يتحقق من مفهوم العدالة الاجتماعية منذ الثورة إلا سطور وكلمات قليلة في مواد الدستور المصري الجديد".

ويذكر تحديداً المادة الثامنة من باب المقومات الأساسية للمجتمع في الدستور المصري والتي تنصّ على أن "يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي. وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين على النحو الذي ينظمه القانون".

ويشير الحريري إلى أنّ جدّية ورغبة الحكومة في تحقيق العدالة الاجتماعية ستظهر في برنامجها الذي ستعرضه خلال الأسابيع القادمة على مجلس النواب.

بين العدالة والعنف

"تعريف العدالة الاجتماعية يمكن اختصاره في احترام آدمية الإنسان وإشباع حاجاته الأساسية وانتشاله من بوتقة الفقر بكل أشكاله"، هكذا يقول الدكتور أحمد يحيي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس.

ويضيف  لموقع (إرفع صوتك) أنّ احتياجات الإنسان تختلف مع الثورات باختلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية، مشيراً إلى أنّ "العدالة الاجتماعية غابت بشكل كامل بعد ثورة يناير نظراً لحالة الفوضى السياسية والإعلامية والاقتصادية".

ويعرب يحيى عن أمله بعودة العدالة الاجتماعية ولو بشكل تدريجي من خلال المشروعات القومية وعبر تشريعات تخدم الفقراء في مصر.

كما يربط يحيى بين غياب العدالة الاجتماعية وظهور العنف، مشيراً إلى أنّ العنف نوعان: عنف سياسي يرتبط بالسعي للحصول على السلطة "حيث يلجأ السياسيون إلى استخدام مفهوم العدالة الاجتماعية للحصول على تأييد المواطنين"، أما النوع الثاني فهو العنف المجتمعي وهو مرتبط بشكل مباشر بالعدالة الاجتماعية.

ماذا يقول المواطن؟

المواطنون المصريون الذين انتفضوا عام 2011 لم يحققوا مطالبهم حتّى الآن. إذ يرى أحمد السيّد وهو طالب جامعي في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنّ "كل أهداف الثورة لم تتحقق". لكنّه يؤكّد أنّ " كلمة السر في نجاح أي نظام سياسي هي العدالة".

حسن السباعي سائق سيارة أجرة في مصر وأب لخمسة أولاد. يقول لموقع (إرفع صوتك) "عندما لا يستطيع المرء أن يكفي احتياجات أسرته ولا أن يعلّم أبناءه أو يتعالج من مرض ما، ويشعر أنّه سيكبر ولن يجد من يهتم به.. تبقى  فين هيا العدالة الاجتماعية؟".

يعتقد حسن أنّ الحل بيد الحكومة التي "يجب أن تأخذ من الأغنياء وتعطي الفقراء". بالنسبة إليه، "هذا هو التكافل الاجتماعي".

من جهته، محمد سليم موظف حكومي يرى أن العدالة الاجتماعية هي أن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات. يقول لموقع (إرفع صوتك) إنّه يشعر بوجود شيء من العدالة ويضرب مثالاً بالدعم الصحي الذي يحصل عليه نتيجة عمله بالجهاز الحكومي وكذلك بطاقات التموين. لكنّه يشعر بغياب العدالة الاجتماعية "حين أرى غيري من المواطنين لا يحصلون على هذه الخدمة".

دروس خصوصية ووظائف

تحقيق العدالة الاجتماعية بالنسبة لبعض المصريين يرتبط بمطالب قد تبدو بسيطة لكنّها أساسية بالنسبة لهم ومرتبطة بحياتهم اليومية. يقول محمد ربيع وهو بائع متجول لموقع (إرفع صوتك) أن العدالة الاجتماعية بالنسبة له تعنى "حصول أبنائي على تعليم جيد ورعاية صحية وفرص للعيش الكريم في ظل تردي الوضع التعليمي في مصر نتيجة ازدياد ظاهرة الدروس الخاصة وعدم قدرتي على الوفاء ماليا بنفقات هكذا دروس".

أمّا محمود عبد الكريم وهو موظف حكومي فيقول لموقع (إرفع صوتك) إنّه لا يطلب سوى مساواة أبنائه بأبناء الطبقة المعتدلة الحال في مصر فيما يتعلق بالتوظيف وفرص العمل. يشكو أن أبناؤه يواجهون البطالة منذ ما يزيد عن أربعة أعوام بسبب الحالة الاقتصادية في مصر ويقول "في الوقت نفسه، أجد أبناء الموظفين الكبار في الدولة مع وظائف محجوزة لهم".

بالنسبة لمحمود، "الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 25 يناير فشلت تماماً في تلبية مطالب الشباب في الحياة الكريمة مقارنة بالطبقة الثرية، في ظل انشطار المجتمع إلى طبقة  أثرياء وطبقة محدودي الدخل والقضاء تماماً على الطبقة الوسطى". ويشير إلى أنّ المشكلة لا تتعلق به وحده، إنّما بملايين الأسر التي ما زالت تعيل أبناءها الحاصلين على درجات علمية متقدمة.

*الصورة: "العدالة الاجتماعية غابت بشكل كامل بعد ثورة يناير نظراً لحالة الفوضى السياسية والإعلامية والاقتصادية"/وكالة الصحافة الفرنسية.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".