بقلم حسن عبّاس:
في المجتمعات المتنوّعة، تتصارع الجماعات على السلطة وتعمل الجماعة "الفائزة" على إقصاء الجماعات المنافسة. وبما أن استقلالية القضاء مشكوك بها في الدول العربية، تُتهم المحاكم بالعمل في خدمة الجماعة الأقوى ما يخلق بيئة خصبة لنمو التطرّف.
وقال الباحث والخبير الأردني في الحركات الإسلامية مروان شحادة لموقع (إرفع صوتك) إنّ "غياب العدالة هو من أهم العناصر التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة لتجنيد الشباب"، فهي "تستخدمه لتقول للناس أنها خرجت للدفاع عن أعراضهم ورفع الظلم الواقع على الطائفة السنّية"، مدعيةً أنها تريد إقامة العدل.
لبنان والسجال المفتوح
في لبنان، يمتلك القضاء العسكري اللبناني صلاحية محاكمة مدنيين، خاصةً في حالات الاعتداء على أمن الدولة، وذلك على الرغم من مطالبات كثيرة بحصر مقاضاة المدنيين بالمحاكم المدنية كونه القضاء العسكري غير مستقل بالكامل عن السلطة السياسية.
ودورياً تُفتح سجالات حول هذا القضاء بمناسبة صدور بعض الأحكام التي يعتبرها البعض مجحفة أو غير كافية. وآخر الفصول كان حول قرار محكمة التمييز العسكرية إخلاء سبيل الوزير السابق ميشال سماحة بكفالة، بعد نحو أربع سنوات من سجنه، مع أنه متّهم بنقل عبوات ناسفة من سورية لتنفيذ هجمات في شمال لبنان، وهذه الاتهامات موثّقة بالصوت والصورة وقد اعترف بها بنفسه.
وأساس الجدل الأخير هو اتهام هذه المحكمة بالوقوع تحت نفوذ حزب الله، واعتبار أن سماحة أُفرج عنه لأنه حليفٌ لهذا الحزب.
على هذه الخلفية، أعلن المساجين الإسلاميون الإضراب، وتظاهر أهلهم، مطالبين بمعاملتهم كما عومل سماحة. وهؤلاء المساجين الذين اعتقلوا بعد معارك مع الجيش اللبناني، عام 2007، تأخرت محاكماتهم لسنوات في مؤشر على خلل كبير في منظومة العدالة اللبنانية، قبل أن يُحاكموا قبل سنة وتصدر بحقّهم أحكام يصل بعضها إلى المؤبد، مع أن التهم الموجّهة إليهم أخفّ من تلك التي ارتكبها سماحة.
وأيضاً، امتعضت أوساط المعتقلين للاشتباه بأنهم شاركوا في أحداث طرابلس، وهي اشتباكات مع الجيش اللبناني عام 2014، وأوساط آلاف المطلوبين بسبب وثائق اتصال، وهي معلومات أمنية غير موثوقة عن مشاركتهم في أعمال مخلّة بالأمن.
وقال النائب السابق، القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك)، إنّ "القبض التعسّفي بناءً على معطيات واهية على أشخاص ووضعهم في السجن بلا محاكمات أديا إلى زيادة التطرّف رداً على هذه الممارسات".
وبرأيه، إن ممارسات المحكمة العسكرية التي يصفها بأنها "أداة من أدوات منظومة الممانعة" ساهمت في "خلق مجموعة من الحاقدين داخل السجون ومجموعة حاقدين خارج السجن تقول إن الالتزام بالقانون لا ينفع ويجب التطرّف سنّياً للدفاع عن الحقوق".
وأشار علّوش إلى "أننا لا نستطيع أن نقدّر بالأرقام إذا أدّت هذه الممارسات إلى جنوح البعض نحو تنظيم داعش أو أشباهه. لكنّها جزء من سياق أدّى إلى خلق أرضية تعتبر أنه يجب مواجهة تطرّف منظومة ولاية الفقيه بنفس نوع التطرّف"، مضيفاً أن "الإحساس بالظلم يساهم في خلق مناخات يمكن للجماعات المتطرفة الاستفادة منها".
العراق: الإرهاب تهمة مسيّسة؟
في العراق الوضع أسوأ بكثير. وسبق أن انتقدت منظمات حقوقية أحكام الإعدام التي صدرت في الأعوام الأخيرة استناداً إلى قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2005 والذي يحتوي على عبارات مبهمة يمكن تأويلها بشكل استنسابي.
وأشارت منظمة العفو الدولية في تقرير إلى أن المحاكم العراقية أصدرت قرارات الإدانة على أساس "اعترافات" يشوبها التعذيب... "واستندت قرارات أخرى بالإدانة إلى أدلة من مخبرين مجهولين سريين، بما في ذلك في قضايا أسفرت عن أحكام الإعدام".
وتعليقاً على تقرير صادر عن الأمم المتحدة انتقد أحكام الإعدام الصادرة في العراق، قال المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، زيد رعد الحسين إن "إعدام أشخاص تكون إدانتهم موضع شك لن يؤدي إلا إلى تفاقم الإحساس بالظلم والتهميش لدى شرائح محددة من السكان وهذا سوف يكون بدوره أحد العوامل المساعدة التي يستغلها المتطرفون لتأجيج العنف".
وأكّد القاضي رحيم حسن العكيلي لموقع (إرفع صوتك) أنّ "الدول التي تختار مواجهة الإرهاب بالقوة الغاشمة وبانتهاكات حقوق الإنسان وانحراف العدالة وإهدار سيادة القانون تتفاقم لديها مشكلة الإرهاب".
القاضي الذي سبق أن ترأس "هيئة النزاهة" لنحو أربع سنوات قدّم تفاصيل كثيرة عن استنسابية العدالة العراقية. وأشار إلى أن القضاء الكيدي أدى إلى "تزايد النقمة والشعور بالظلم لدى مكوّنات عراقية معينة أضحت لا تأمن من اتهامها بالإرهاب وملاحقتها ولو كانت بريئة، فاختارت أن تحمي نفسها باللجوء إلى من ظنّت بأن لديهم القدرة على الحماية من ظلم السلطة"، في إشارة إلى المجموعات المتطرّفة.
ووصف غياب العدالة بأنها "مصانع كبيرة للإرهاب"، لافتاً إلى أنّ هذه المصانع لم تُنتج فقط تطرّف المظلومين أنفسهم بل أنتجت تطرفاً لدى ذويهم الذين اطلعوا على الظلم وتعرضوا للابتزاز.
الصورة: عراقية بانتظار الافراج عن أفراد من عائلتها/ وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659