بغداد – بقلم ملاك أحمد:

"فجأة تجد نفسك متّهماً بالإرهاب في مركز للشرطة تسود فيه قوانين الدولار"، هكذا بدأ عمر يوسف حديثه عن الاتهام بحيازته أوراق ثبوتية مزورة.

عمر في العقد الثاني من عمره. "في غضون أيام، أصبحت إرهابياً لأنّ رجل الأمن الذي يقف في نقطة التفتيش القريبة من المنطقة التي أسكن فيها لم يقتنع بشكل جنسيتي (هوية الأحوال المدنية) واعتبرها مزيفة"، قال لموقع (إرفع صوتك).

روى عمر أنّ أهله سارعوا "لسوء حظّي" للحصول على وثيقة صحة صدور لإثبات أنّ هويته غير مزوّرة، مقابل مبلغ من المال.

وما أن سُلمت وثيقة صحة الصدور إلى الضابط الذي أشرف على التحقيق معه، أخرج الجميع من غرفة مكتبه، "متّهماً والدي بدفع رشاوى مقابل صحة الصدور واعتبرها هي الأخرى مزورة لأنّها لم تصدر وفق الإجراءات القانونية".

وتتلخّص الاجراءات القانونية المعنية بإصدار هذه الوثيقة بالتزام مركز الشرطة بمخاطبة دائرة الجنسية عبر كتاب رسمي للحصول على حكم من القاضي يثبت صحة صدور الهوية. "ولأنّ المركز لم يأخذ على عاتقه هذه الاجراءات، وُجّهت لي تهمة تتعلق بحيازة أوراق ثبوتية مزورة".

بحسب رواية عمر، تمّ كذلك تهديد والده بالسجن إن لم يدفع رشاوى تقدّر بـ20 ألف دولار، أو كما يسميها العراقيون "دفترين" مقابل إطلاق سراحه وإغلاق القضية بأكملها.

"ولأنّنا فريسة لسوء استخدام القضاء، نضطر إلى دفع رشاوى حتى نتمكّن من الوصول إلى العدالة".

مراكز الشرطة ليست في خدمة الأطفال؟

أما محمد جعفر الذي لم يتجاوز الحادية عشر من عمره، فحكايته على الرغم من اختلاف التفاصيل تتشابه مع حكاية عمر. "كلّ مرة، يتم احتجازي لأكثر من شهر مع كبار السن من المجرمين في مركز الشرطة لأنّي أزاول مهنة التسول"، قال الطفل لموقع (إرفع صوتك).

بحسب محمد الذي درجت به عادة التسوّل في شوارع بغداد، وتحديداً قرب منتزه الزوراء الترفيهي، تمّ إلقاء القبض عليه مرّات عدّة وكانت والدته تدفع المال مقابل إطلاق سراحه.

ترك جعفر دراسته بعد مقتل والده إبان الاقتتال الطائفي. وبدأ بخوض حياة أولاد الشوارع قبل خمسة أعوام من الآن بعدما دفعته والدته إلى توفير لقمة العيش.

بحسب محمد، "الكثير من الصغار مثلي يقبعون في غرف التوقيف المزدحمة بمراكز الشرطة ويتعرضون للضرب ولا يخرجون إلا بكفيل يتعهد بعدم عودتهم لارتكاب هذه التهم مع دفع رشاوى".

التسوّل بالنسبة إليه، وإن كان غير قانوني، لا يقلّ سوءاً عن سلوك السلطات تجاهه. "لو كانت هناك عدالة، لما كنت لأتسوّل أساساً".

علاقة القضاء بالمواطن سيئة جداً

منذ مدة طويلة قد تسبق العام 2003 وظاهرة الرشاوى والفساد الإداري والمالي في المحاكم العراقية ومراكز الشرطة تتفاقم، ما دفع الكثير من المنظمات غير الحكومية التي تعنى بمحاربة الفساد إلى إطلاق حملات تنظّم بين الحين والآخر لتوعية الناس بهذا الخطر.

وتقول الناشطة سهيلة كريمة الياسري، وهي مستشارة قانونية ناشطة في الكثير من الحملات ومنها حملة (التمكين القانوني لضمان الحقوق) إنّ "العلاقة بين القضاء والمواطن في العراق سيئة جداً، حيث يفتقد المواطن بشدة الثقافة القانونية ، فضلاً عن عدم ثقته بالقضاء وهو الأمر الذى يثير المزيد من المخاوف عند اللجوء للقضاء من أن يستغل العاملين فيه كل السبل لتحقيق رغباتهم".

جرائم فساد

وعلى الرغم من غياب إحصاءات دقيقة حول تزايد حالات الفساد في القضاء، إلا أن الجميع يتفق ومنهم المستشار القانوني محمد علوان على أنّها "بارتفاع بشكل غير مسبوق وذلك بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في البلاد".

وأقرّ علوان في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أنّ "غالبية الذين يترددون على المحاكم يجبرون على دفع الرشاوى خشية تعطيل إجراءات قضاياهم القانونية أو تأخر عرضها على السلطة القضائية أو الحصول على أحكام عادلة".

وأشار إلى أنّ ما يحدث في المحاكم ومراكز الشرطة هي جرائم فساد حددها قانون مكافحة الفساد لسنة 2009.

وينصّ قانون مكافحة الفساد في الفقرة الخامسة من المادة (1) من الفصل الأول بأنّ جريمة الفساد تعرّف بأنها "إحدى الجرائم التالية، أو الشروع بها، أو الإعداد لها، أينما وردت في القوانين:

أولاً: الرشوة.

 ثانياً: الاختلاس.

 ثالثاً: تجاوز الموظفين حدود وظائفهم.

 رابعاً: المتاجرة بالنفوذ.

 خامساً: الكسب غير المشروع.

 سادساً: إساءة استغلال الوظائف.

 سابعاً: الرشوة في القطاع الخاص.

 ثامناً: اختلاس ممتلكات القطاع الخاص.

 تاسعاً: غسل الأموال.

 عاشراً: إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة الفساد.

أحد عشر: إعاقة سير العدالة .

واتّهم علوان كذلك بعض المحامين الذين يتواجدون في المحاكم ومراكز الشرطة بأنّهم "سماسرة مهمتهم إيهام أو إخبار الذين يترددون على الأماكن أن الإجراءات القانونية قد تستغرق وقتاَ طويلاً، أو أن القاضي الفلاني يعيق تنفيذ مثل هذه الإجراءات من دون دفع الرشاوى".

تحديات تواجه تنفيذ العدالة

 من جانبها، أكّدت عضوة المفوضية العليا لحقوق الإنسان بشرى العبيدي لموقع (إرفع صوتك) أنّ "التحدي الأكبر في تنفيذ العدالة هو تأخر النظر في القضايا التي تعرض على السلطة القضائية وتأخير الأحكام وقرارات الإفراج".

وأشارت إلى أنّ "القضاء العراقي اكتسب سمعة سيئة بحيث بات المواطن يخشى تقديم شكوى أو الإبلاغ عن الفساد لفقدانه الثقة بالعاملين في السلطة القضائية".

أما القاضي عبد الستار بيرقدار، المتحدث باسم السلطة القضائية، فلم يغفل حجم التحديات، وأكّد لموقع (إرفع صوتك) أنّ "النظام القضائي في العراق يواجه تحديات كبيرة أهمّها تطبيق القانون وتنفيذ قرارات القضاء".

*الصورة: "القضاء العراقي اكتسب سمعة سيئة بحيث بات المواطن يخشى تقديم شكوى"/ shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".