أربيل - بقلم متين أمين:

"لا أرى أنّنا في يوم من الأيام في دول الشرق سنصل إلى مستوى الالتزام بالقوانين والعدالة الموجودة في الغرب"، الكلمات للعامل وهاب حسين من كردستان، 35 عاماً، الذي يعزو أسباب ذلك في حديثه لموقع (إرفع صوتك) إلى "غياب الوعي واستغلال شريحة معينة لمناصب ذويهم من أجل تحقيق متطلباتهم بأسهل طريقة".

ويضيف "ناضل آباؤنا في الثورات الكردية المتعاقبة من أجل الحرية والديمقراطية وإرساء المدنية والعدالة الاجتماعية وتطبيق القوانين في كافة مفاصل الحياة. وها نحن وصلنا إلى يوم الحرية الذي كانوا يطمحون إليه، لكن نجد أنّ أبناءهم أو أحفادهم لا يطبقون القانون أو لا يكترثون إليه".

لكنّ جميل كامل، 40 عاماً وهو موظّف، لا يوافق وهاب الرأي من ناحية فشل الكرد في حمل أمانة أسلافهم. و يرى أنّ ما يشهده القضاء في الإقليم الآن هي المرحلة التي تسبق تأسيس الدولة، ويقول لموقع (إرفع صوتك) "إقليم كردستان يعيش مرحلة بناء الدولة الحديثة. لذا من الطبيعي ألا يكون هناك استقلالية كاملة في القضاء كالاستقلالية الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية أو أوروبا".

ويشير كامل إلى وجود جهود متواصلة من قبل كافة الأطراف في الإقليم لتنظيم شتى مجالات الحياة من محاكم وإدارة مؤسسات الدولة وتنظيمها، بالإضافة إلى تعديل عدد كبير من القوانين القديمة "التي لا تتلاءم مع ما نشهده اليوم من تغييرات في المنطقة والعالم. لذا نحن نستبشر بالخير".

القضاء مرآة المجتمع

من جهته، يرى القاضي عبد الستار رمضان، نائب المدعي العام في محكمة أربيل، أنّ القضاء في الإقليم هو جزء من المجتمع الموجود في الإقليم بكل ما فيه من مشاكل و صعوبات ونجاحات أو إخفاقات.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) "القضاء مرآة تعكس حركة المجتمع والمحاكم هي مستشفيات للمجتمع، لذا ما يحدث فيه من أزمات لها صدى كبير في قاعات المحاكم التي تشهد بين فترة وأخرى ارتفاع نسبة أو عدد الجرائم أو الدعاوي في مواضيع محددة، تبعاً للمشاكل و الأزمات الموجودة في المجتمع".

ويميّز عبد الستار بين مفهومي العدل والعدالة، قائلاً "وظيفة القضاء في أي مجتمع هي تحقيق العدل وليس العدالة. لكن مع الأسف الكثير من الناس يخلطون بين الاثنين. فالعدل بمعناه النظري والتطبيقي يعني النظر بمساواة وتحقيق التكافؤ لكل المواطنين في اللجوء إلى القانون والقضاء. أما العدالة فتعني تحقيق العدالة الفردية الخاصة لكل فرد، وهذا لا تستطيع أن تحققه المحاكم لا في إقليم كردستان ولا في العراق ولا حتى في الغرب".

تطبيق القوانين في كردستان

وتتفاوت تجارب المواطنين مع القضاء في كردستان، إذ تشكو المواطنة سعدية سامان، 50 عاماً وهي ربّة منزل، من عدم الإنصاف في توزيع الميراث في المحاكم التي تتبع الشريعة الإسلامية.

تقول لموقع (إرفع صوتك) "أنا فتاة عازبة، وأعيش في بيت والدي الذي كنت أخدمه حتى يوم وفاته. الآن إخواني يطالبون بتسوية ما تركه والدنا والمتمثل بهذا المنزل الذي أعيش فيه والذي لا يساوي مبلغاً كبيراً. وبحسب المحكمة التي تتبع الشريعة الإسلامية، لا يبقى لي سوى القليل الذي يكفي إجار سنة واحدة فقط. لذا أطلب من المحاكم أن تقسم الميراث بالتساوي بين الذكور والإناث".

أما المواطنة كلاويش سردار، 30 عاماً وهي مدرّسة، فتمدح مساعدة القضاة في كردستان للناس العاديين ومساندتهم للنساء. وتروي لموقع (إرفع صوتك) "عندما أجريت معاملة لمنح والدي وكالة عام مطلقة، نبّهني القاضي بشدّة إلى خطر هذا النوع من الوكالات التي تمنح الشخص الذي يكتسبها سلطة مطلقة في كل شيء يخص الشخص المانح لها. وقد أسعدني هذا كثيراً وشعرت بالأمان".

هذه التحذيرات، بالنسبة لسردار، "بالغة الأهمية كونها تساعد النساء غير المتعلمات اللاتي قد يغفلن عن حقوقهن".

وتقول كذلك "عند تواجدي في المحكمة، شاهدت رجلاً رفض القاضي طلبه بالزواج من زوجة ثانية وطالبه بإحضار زوجته الأولى شخصياً لتدلي بموافقتها على أمر كهذا وتؤكد أنها لا ترغب بالطلاق".

*الصورة: "وظيفة القضاء في أي مجتمع هي تحقيق العدل وليس العدالة"/shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".