بقلم جنى فواز الحسن:

لم يسعَ تنظيما داعش وجبهة النصرة إلى إخفاء ارتباطهما – العاطفي والعملي – بالمساجين الإسلاميين في سجن رومية بلبنان. "وبما أنّ التنظيمات الإسلامية المتشدّدة ترى حدودها باتساع أمّة المسلمين وخارج أيّ إطار جغرافي، فهي تأخذ على عاتقها دعم مناصريها وجذب من له ميول متطرّفة إلى حضنها بأيّ أسلوب متاح"، بحسب ما يقول الباحث في الشؤون الإسلامية عبد الكريم كيّال لموقع (إرفع صوتك).

وكانت ترجمة هذا الارتباط مؤخراً في صفقة تبادل العسكريين اللبنانيين – وعددهم 16 – الذين كانت تحتجزهم جبهة النظرة منذ آب/أغسطس 2014، مقابل إطلاق السلطات اللبنانية سراح 13 سجيناً وتقديم مساعدات إنسانية للمدنيين في بلدة عرسال الحدودية.

ومن بين السجناء الذين أطلق سراحهم أواخر العام 2015، سجى الدليمي طليقة زعيم تنظيم الدولة الإسلامية داعش أبو بكر البغدادي، وشقيقة أحد أمراء النصرة، وعلا العقيلي وهي زوجة أحد قياديي الجبهة، وجمانة حميد، وهي لبنانية من عرسال اعتقلت في شباط/فبراير 2014 بينما كانت تقود سيارة ملغومة.

ولا يزال تسعة عسكريين آخرين في قبضة داعش. وقد سبق للتنظيم أن طالب بالإفراج عن السجناء المسلمين في رومية، حتّى أن زعيم داعش، البغدادي، target="_blank">هدّد باستهداف رومية.

المساجين الإسلاميين في رومية

لكنّ قصة من درجت تسميتهم بالمساجين الإسلاميين في رومية تعود إلى ما قبل ظهور التنظيمين، وتحديداً أحداث نهر البارد عام 2007 أي الاشتباكات ضد مقاتلي فتح الإسلام الّتي ذهب ضحيتها 170 عنصراً من الجيش اللبناني وحوالى 100 شهيد مدني. وما قبل ذلك موقوفو أحداث الضنية في أول معركة بين الإسلاميين والجيش عام 2000، والتي خاضتها مجموعة عُرفت بـ"جماعة التكفير والهجرة". وهؤلاء شملهم عفو عام وتم الافراج عنهم عام 2005.

وازداد العدد بعد توقيف كثيرين منذ شهر نيسان/أبريل 2014، بعد تطبيق خطة أمنية في مدينة طرابلس وتوقيف كثيرين بتهم مختلفة تتراوح بين الاعتداء على الجيش والتفجيرات الإرهابية أو المشاركة في المعارك المتقطعة التي شهدتها المدينة الشمالية.

هؤلاء المساجين ليسوا جميعاً لبنانيين ومن ضمنهم مثلاً الموقوف السوري عماد أحمد جمعة الذي اعتقل في شهر آب/أغسطس 2014 وكان قد شارك بالهجوم على الجيش اللبناني في عرسال وعُرف بارتباطه الوثيق بجبهة النصرة.

ملف شائك..

"ملف هذا السجن شائك من دون شك"، بحسب كيّال، "فهو من جهة يضمّ متطرفين ومن جهة أخرى يسهم في توثيق علاقة هؤلاء المساجين ببعضهم البعض ويمكّن الأكثر تطرّفاً من التأثير على الأقل تطرفاً وحتى تجنيد من أوقف ظلماً ولم يحدّد له موعد محاكمة بعد".

الخبير في الشؤون الإسلامية أحمد الأيوبي يقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ نسبة المرتبطين بتنظيمات إرهابية كداعش والنصرة من المساجين الإسلاميين في رومية لا تتعدّى الخمسة بالمئة. "لكن للأسف ماكينة الاعتقالات تستمرّ". ويسأل الأيوبي "من يحدّد حقيقة كون الموقوفين إرهابيين؟ وما هي المعايير القضائية والاستخباراتية المعتمدة؟".

يقول الأيوبي إنّ الاعتقالات، خصوصاً بعد أحداث طرابلس، باتت تتمّ من قبل مخابرات الجيش بناء على مجرّد معلومات أولية حول الاشتباه وهي ما يعرف بـ"وثائق الاتصال". ويضيف "الدولة اللبنانية أقرّت بعدم صلاحية وسائل الاتصال، لكن التوقيفات لا تزال تتم على أساسها".

يعطي الأيوبي مثالاً عن شيخ اسمه هلال تركماني تمّ توقيفه مؤخراً بسبب شخص ادّعى بلا أي أدلة أن تركماني ينوي القيام بتفجير إرهابي داخل لبنان. "اتّضح لاحقاً أن لا صحة لهذا الادعاء، والسؤال هنا من يعوّض تركماني عن توقيفه؟".

من جهته، يقول كيّال "هذه المعضلة. ليس هناك من يحمي نفسياً ومعنوياً وعملياً – أي عبر تأمين فرص عمل واعتبار السجن مركز للإصلاح – الموقوفين بتهم إرهابية من دون جرم يذكر. هذا ما يحوّل السجون عامّةً إلى مركز لتخريج متطرفين جدد".

تعذيب في السجن

بعض المساجين لا يحاولون إخفاء ارتباطهم بالتنظيمات المتطرّفة. فقد target="_blank">انتشرت أنشودة في 2014 قيل إنّها من داخل سجن رومية وتتوعّد الجيش اللبناني. وختمت الأنشودة بتوقيع أسماء المنشدين كـ"هارون الشروري وأبوعبيدة الأنصاري".

ومن جهة أخرى، انتشر منتصف عام 2015 target="_blank">فيديو عن تعذيب للسجناء الإسلاميين من قبل عناصر الأمن. وقال وزير العدل اللبناني أشرف ريفي عندها إنّه تمّ توقيف عنصري أمن في سجن رومية على خلفية تورطهما بتعذيب عدد من معتقلي أكبر السجون اللبنانية. وتعهد الوزير بحماية حقوق المساجين بغض النظر عن انتماءاتهم.

"هذا الفيديو مثلاً يساهم في تعزيز شعور المظلومية عند شريحة واسعة ليس داخل السجن، بل خارجه. وهذا الشعور يؤدي إلى التطرّف ويولّد الرغبة بالانتقام،" بحسب كيّال، الذي يضيف "لكن لا يمكن أيضاً تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية اعتقال المشتبه بهم. هناك مظلومون في الملف، لكن هناك أيضاً أشخاص عرّضوا حياة أبرياء إلى الخطر ويهدّدون مستقبل الوطن".

"الدولة اللبنانية أساساً متهالكة وهذا السجن أو حتى السلوك الأمني انعكاس لأزمة لبنان الوطنية والسياسية والاجتماعية"، يضيف الباحث.

محاكمات متأخرة

وتبقى من أبرز المشاكل التي تواجه ملف السجناء الإسلاميين تأخّر محاكماتهم. وذلك بحسب ما تقول السلطات المسؤولة بسبب عدم وجود الإمكانيات اللوجستية الكافية. وأُنجزت قاعة محكمة في سجن رومية كبيرة وحديثة وتتسع لمحاكمة أعداد كبيرة في منتصف عام 2013، بعد أن تقدّم مجلس الانماء والاعمار بمشروع لإنشائها.

وقد أوضح ريفي أن المجلس العدلي كثّف من جلسات المحاكمة للإسلاميين بعد إنجاز القاعة، لكن لا زالت هناك عشرات الملفات والقضايا التي لم تحسم ولا يزال موقوفوها بلا محاكمة.

ويلفت الأيوبي إلى مشكلة أخرى هي كون المحكمة العسكرية تمتلك صلاحية محاكمة الموقوفين الإسلاميين "وهي تتخذ صبغة سياسية معينة". ويضيف الأيوبي "كما أنّ القضاة في المحكمة العسكرية ليسوا مختصين. ممكن أن يكون الضابط طياراً مثلاً ومن ثمّ أن يصبح قاضٍ في المحكمة العسكرية. بالتالي، على أيّ أساس يقيّم القضايا والأحكام؟".

*الصورة: سجناء في سجن رومية، لبنان/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".