بقلم حسن عبّاس:

عبر التاريخ، شهدت العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبين السلطة مداً وجزراً. وفي محطات مختلفة كانت تشهد مواجهة قاسية، كما يحدث منذ تموز/ يوليو 2013.

في كل تلك المواجهات، كانت السلطة تعتبر الإخوان تنظيماً إرهابياً يهدّد استقرار مصر، فتجد مَن يوافقها على هذا التوصيف ومَن يعارضها.

دروس من التاريخ

قد تفيد قراءة التاريخ في تجنّب بعض الأخطاء. عام 1954، أيام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، صدرت قرارات بحلّ الجماعة ومصادرة أموالها. وكانت النتيجة أن فقد بعض الأشخاص ثقتهم بجدوى طريقة العمل القديمة وقرّروا، عام 1958، تأسيس "تنظيم الجهاد". وقد كان زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أحد أعضاء هذا التنظيم ثم صار أميره ومنظّره.

التجربة الثانية التي يمكن استخلاص بعض الدروس منها هي تجربة السبعينيات من القرن الماضي حين توترت علاقة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بالإخوان، بعد فترة من التعاون بين الطرفين.

في تلك المرحلة، أسس الدكتور صالح سريّة، عام 1973، تنظيماً عُرف باسم "الفنّية العسكرية" نسبةً إلى اعتداء نفذه بعد تأسيسه بعام على كلية الفنّية العسكرية. وصار سريّة من أبرز المنظرين الجهاديين وكتب "رسالة الإيمان" التي تدعو إلى الجهاد من أجل إقامة الدولة الإسلامية.

كذلك برز "تنظيم الجهاد" بقيادة محمد عبد السلام فرج الذي كتب كتاب "الفريضة الغائبة" (أي الجهاد) والذي خطط لاحقاً لاغتيال السادات عام 1981. كما أنشأ الدكتور فضل (عبد القادر عبد العزيز) الجماعة الإسلامية ونظّر للحل الإسلامي العنفي في كتابه "العمدة في إعداد العدّة".

ولكن في المقابل، ظهر تيار معتدل أجرى مراجعات لتجربة الإخوان من داخل السجون، وقد أخذت هذه المراجعات شكلاً واضحاً في كتاب "دعاة لا قضاة" الذي دعا إلى ضرورة حصر نشاط الجماعة بالعمل الدعوي السلمي، وهو كتاب صدر عام 1977 ويُنسب إلى المرشد العام حسن الهضيبي ولكن البعض يعتبره عملاً مشتركاً.

ماذا يحدث الآن؟

كأن التاريخ يكرّر نفسه بشكل من الأشكال. عادت السلطة المصرية، منذ تموز/ يوليو 2013، إلى تبنّي خيار المواجهة الشاملة مع الإخوان. فهي تعتبر أن التنظيم إرهابي يهدد استقرار مصر. وهذا ما عبّرت عنه الحكومة المصرية منذ بداية المواجهة معهم حين تحدّثت عن "مواجهة المخطط الإرهابي الغاشم من تنظيم الإخوان على مصر"، وعن "العناصر الإرهابية لتنظيم الإخوان".

وأدت الحملة الواسعة على الإخوان بحسب المراقبين إلى انقسام القاعدة الإخوانية بين قيادة قديمة تدعو إلى السلمية وبين قيادة شابة تفضّل ممارسة العنف لردع السلطة.

حالياً، "القيادة الأساسية لجماعة الإخوان مبعثَرة في السجون المصرية والعواصم العالمية" و"بدأت تفقد السيطرة على الأعضاء الأصغر سناً، والذين يتوق الكثير منهم إلى المواجهة المباشرة مع الحكومة"، وهذا ما يساهم في "خلق ملاذ من التأييد الشعبي للعنف والفكر الجهادي"، بحسب دراسة نشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

وتعرض الدراسة التي كتبها الباحث في مركز التقدّم الأميركي مختار عوض والصحافي مصطفى هاشم ما تسمّيه "ديناميكيات التمرّد الإسلامي الجديد في مصر"، مستندةً إلى عشرات المقابلات مع أعضاء وقادة في جماعة الإخوان المسلمين وإسلاميين آخرين ومسؤولين.

وتخلص إلى أن لجوء بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى العنف وانتشار جماعات العنف يمكن أن يُعزى، جزئياً، إلى فقدان جماعة الإخوان السيطرة على أعضائها والخلافات الداخلية بشأن الاستراتيجية التي ينبغي تبنّيها في مواجهة قمع السلطة.

في ظل هذه الأجواء، صارت أصوات شبابية إخوانية تدعو إلى "ثورة تجتزّ الرؤوس". كما وقّع 159 عالماً دينياً، والكثيرون منهم لهم علاقات وثيقة مع جماعة الإخوان، "نداء الكنانة" الذي يبيح قتل المسؤولين والموظفين الذين "يثبت يقيناً أنهم اشتركوا (ولو بالتحريض) في انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق".

ويأتي هذا الاتجاه نحو التطرّف في مواجهة تيار إخواني آخر يعبّر عنه مقال نشره القيادي محمود غزلان وقال فيه إن "السلمية ونبذ العنف من ثوابتنا التي لن نحيد عنها أو نفرّط فيها"، وقيل أنه يعبّر عن توجهات القيادة القديمة.

الإرهابيون يتربّصون

لم يبقَ السجال حول السلمية والعنف سجالاً داخل الحركة الأم. فسرعان ما حاولت الحركات الإرهابية الاستثمار فيه لاستقطاب شباب الإخوان التوّاقين إلى ممارسة عمل عنيف ضد السلطة. فصدرت مواقف عنها تسخر من العمل السياسي الديموقراطي والسلمي وتقول إن "الطريق لتكون كلمة الله هي العليا هو صناديق الذخيرة".

كما تحوّلت الانتهاكات التي جرت أثناء فض اعتصام رابعة العدوية في 14 آب/ أغسطس 2013، إلى مادة دسمة استخدمتها التنظيمات الإرهابية لتجنيد الساخطين على السلطة.

وأكّد المحلل في المركز الأميركي للتطور مختار عواد أن الأفلام التي تظهر مجزرة رابعة، استغلتها الجماعات الإسلامية وخاصة جماعة أنصار بيت المقدس التي صار اسمها ولاية سيناء بعد أن بايعت زعيم تنظيم داعش، وجماعة جند الإسلام المرتبطة بتنظيم القاعدة لـ"تقديم نفسها على أنها جماعات تنتصر للإسلام، كي تجذب عدداً أكبر من الشباب".

الصورة الرئيسية: مواجهات بين الأمن المصري ومؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين/وكالة الصحافة الفرنسية

الصورة الثانية: قيادات من الإخوان وراء القضبان/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".