بقلم علي عبد الأمير:

يرى ناشطون وكتاب وباحثون أردنيون أنّ "غياب العدالة" في بلادهم يتعدى المنظور القضائي إلى مديات أوسع قد تبدو أكثر تأثيراً على البناء الوطني والاجتماعي، وبما يعنيه هذا التأثير لجهة صعود قيم التطرف والعنف.

ويقول الكاتب حازم مبيضين "بدايةً، لا بدّ من تعريف العدالة وهل هي مقتصرة على القضاء أم على التعامل مع فئات الشعب بتقسيماته سواء كانت طائفية أو قومية أو جهوية أو غير ذلك؟".

فيما يعتقد الباحث والخبير الأردني في الحركات الإسلامية مروان شحاذة في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أنّ "غياب العدالة هو من أهم العناصر التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة لتجنيد الشباب"، فهي "تستخدمه لتقول للناس أنّها خرجت للدفاع عن أعراضهم ورفع الظلم الواقع على الطائفة السنّية"، مدعيةً أنها تريد إقامة العدل.

ويعرض الكاتب مبيضين لجوانب مما يراها صورة لغياب العدالة في بلاده بالقول "أتحدّث عن الحالة الأردنية التي تخلو من الطائفية والمذهبية والقومية، لكنّها مؤخراً بدأت تأخذ شكل تقسيم الوطن إلى شمال وجنوب ووسط، حيث يتنازع أبناء هذه الأقاليم نزاعات مهمتها الاتهام بأنّ هناك محاباة ضدّهم، خاصّة حين يكون رئيس الوزراء من أحد هذه التقسيمات، فيكون على أبناء الجهتين الأخرتين واجب اتهام الحكومة بإهمالهم والتغاضي عن مطالبهم. وذلك لا يلغي وجود جهات في (الأقاليم) الثلاثة تمتهن مهاجمة أي مجهود حكومي وإن كان لصالحها".

فتّش عن أسباب التطرف؟

ويتجلى غياب العدالة في الأردن، بحسب مداخلة مبيضين مع موقع (إرفع صوتك)، في "وظائف الحكومة من الدرجة العليا، فهي عملياً مقتصرة على فئة محددة تتعاطى توارث هذه المواقع، حتى أن ثلاثة أشقاء تسنموا المنصب الوزاري لأنّ والدهم كان رئيس وزراء. كما أنّ عائلة لا يتجاوز عدد أفرادها 200 أنجبت أربع رؤساء للوزارة عدا عن الوزراء الأنسباء وأصدقائهم ومن لف لفهم".

وانطلاقاً ممّا قدمه مبيضين من مؤشرات على غياب العدالة في بلاده، يذهب إلى التساؤل "هل من حقنا لوم أي شاب يلجأ إلى التطرف والعنف وهو يرى أن التعامل بالمحاباة يسرق منه أي فرصة لبدء حياته؟".

ويؤكّد "نحن ضد كل شكل من أشكال ذلك اللجوء (للتطرف) الذي يجلب الضرر المؤكد لمن يلجأ إليه قبل التأكيد على تأثيره السلبي على المجتمع"، مضيفاً إلى تساؤلاته "هل من حقنا لوم منطقة جغرافية لا تشهد من الحكومات المتعاقبة غير التهميش وهي تراقب كل الاهتمام الذي تبديه تلك الحكومات لمناطق معينة؟ وهل نلوم من يرى من لا يملك أي حق دستوري أو قانوني وهو يُدخل الوطن في متاهات ليس آخرها نغمة توطين اللاجئين السوريين وبما يُخل بالمعادلة القائمة اليوم لغير مصلحة السكان الأصليين، إن لجأ للتطرف والعنف مرتكباً جرائم لم يعتدها المجتمع الأردني؟".

ويضيف الكاتب مبيضين "ثم من يستطيع لوم المسيحي الأردني وهو الأكثر أصالة في هذه البقعة من العالم إن تطرّف هو الآخر وهو يرى أن فرصه في الحياة العامة تقل كثيراً عن فرص المسلم رغم تساويهما في الواجبات؟".

حين تصبح العدالة والمساواة والحقوق .... شعارات؟

وفيما يخلص مبيضين إلى أنّ كل الشعارات عن العدالة والمساواة "لن تكون مفيدة ولا مجدية إن ظلت خالية من المضمون أو تجمدت في خانة الكلام غير القابل للتحول إلى أفعال"، ينظر الباحث مروان شحادة إلى القضية من زاوية استخدام فكرة التصدي للعنف والإرهاب من قبل أجهزة رسمية في طريقة إدارتها لملفات عدة، معتقداً أنّ "موضوع مكافحة الإرهاب صار ذريعة للاستبداد من قبل دول يمكن وصف أنظمتها بالشمولية. فقد شهدت المحاكم العربية قضايا كثيرة صدرت فيها أحكام بالإعدام على المتهمين بحجة أنّهم إرهابيون فيما في الحقيقة حُكموا بسبب أفكارهم".

ويصل شحادة إلى القول "يحاول البعض العزف على وتر أن حقوقه منتهكة، وهذا يعزّز مفهوم غياب العدالة، وتستخدم التنظيمات الجهادية هذا الجوّ لاستقطاب عناصر" تؤمن بنهجها حتى وإن كان تدميرياً وقاتلاً".

الصورة: أمام محكمة أردنية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".