المغرب - بقلم زينون عبد العالي:
يشكو بعض المواطنين المغاربة من تأخر القضاء في البت بقضاياهم التي باتت حبيسة رفوف المحاكم المغربية منذ سنوات من دون أن يتلقوا أي سبب يعلّل تأخير إصدار الحكم بخصوصها، فيما يكابد آخرون معاناة مع كثرة الإجراءات و بطء البت في القضايا العالقة لسنوات طوال أمام المحاكم.
فقدت الثقة
محمد الغرباوي، مواطن مغربي من مدينة تازة شرق المغرب، يحكي لموقع (إرفع صوتك) قصته مع "الظلم" الذي لحقه من القضاء المغربي، إذ يقول هذا المواطن الذي ظل لعشر سنوات يجوب ردهات المحاكم إنّه فقد الثقة بالقضاء المغربي. ويناشد ملك البلاد والمسؤولون لإنصافه جراء ما لحق به من أذى وتعسف في قضيته التي يعتبرها عادلة.
وتعود معاناته إلى عام 2005، حيث يقول الضحية إنه اشترى قطعة أرضية بطريقة قانونية، غير أنه فوجئ بأشخاص آخرين يطلبون منه بيعهم القطعة الأرضية، وهو ما رفضه المعني بالأمر، ليجد نفسه بعد سنة أمام قضية تتعلق بتهمة "الترامي على ملك الغير"، رفعها ضده أولئك الذين رفض بيعهم الأرض.
ويضيف الغرباوي، وعلامات الحسرة بادية عليه، "القضية الأولى تمّ حفظها في المحكمة نظراً لعدم توفر إثباتات كافية ومقنعة. غير أن هؤلاء الأشخاص قاموا برفع دعوتين قضائيتين ضدي، حيث تمت إدانتي ظلماً وعدواناً بالسجن أربعة أشهر موقوفة التنفيذ، وغرامة مالية قيمتها 4000 درهم مغربي، لتستمر معاناتي مع هذا الظلم الذي زكته محكمة الاستئناف وأيدت الحكم السابق كما تم تغيير اسم القطعة التي اشتريتها بعرق جبيني".
ورغم ذلك، لم يستسلم الغرباوي، وواصل الدفاع عن قضيته أمام محكمة النقض. غير أن بطء الإجراءات أثرت على سير القضية، وتم تجريده من قطعته بدون سند قانوني، يضيف المشتكي، كما يقول إنّه تعرض لمعاملة سيئة من طرف عناصر الأمن التي اعتقلته حين ذهب ليشتكي الظلم الذي ألحقه به المستولون على أرضه. وبات الغرباوي في العراء من دون مأكل أو فراش. وتقدم للمحاكمة من جديد حول القضية، غير أنه تم تأجيل النظر فيها إلى وقت لاحق، بحسب روايته.
أملي في الملك
ويناشد الغرباوي العاهل المغربي "بصفته ملك البلاد ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، التدخل لإنصافه ورفع الضرر الذي أعانيه لأكثر من 11 سنة، بعد أن فقدت الثقة في وزارة العدل التي راسلتها، لكن دون رد". ويتساءل "كيف يعقل لشكوى أن تعمر داخل المحاكم أكثر من 11 سنة؟".
قضية الغرباوي ليست الأولى أو الأخيرة في المغرب، إذ هناك الآلاف من القضايا التي لا زالت تنتظر الحسم فيها أمام المحاكم المغربية. فجولة صغيرة أمام أبواب هذه المحاكم، تظهر لك حجم القضايا التي عمرت لسنين طويلة، ولم تجد طريقها بعد لحكم يحقق عدالتها. ومن ضمنها قضية سابقة كان موقع (إرفع صوتك) قد أوردها ضمن موضوع الفساد.. نهب للمال العام، والتي تتعلق بقصة المواطنة المغربية رشيدة الحامدي التي لازالت تعاني من تأخر صدور حكم في قضيتها منذ ست سنوات.
بطء إصدار الأحكام
وكان تقرير أصدرته وزارة العدل والحريات بالمغرب حول تطور عدد القضايا بمجموع المحاكم المغربية خلال الفترة 2009-2013، قد أظهر تراجعاً ملحوظاً في عدد القضايا المحكومة، إذ وصل عدد القضايا التي تروج داخل المحاكم إلى أكثر من ثلاثة ملايين قضية. غير أن نسبة الحكم في هذه القضايا كانت متوسطة، إذ وجدت فقط 2.5 مليون قضية طريقها نحو الحكم، ولا زالت القضايا الأخرى في رفوف الانتظار.
نفس الأمر طبع سنة 2014، إذ أقر تقرير للوزارة بخصوص القضايا أمام المحاكم المغربية بوجود بطء في إصدار أحكام بخصوصها، حيث تشير الأرقام إلى أن سنة 2014 شهدت تسجيل أكثر من 3.5 مليون قضية، في حين لم يبلغ عدد القضايا المحكومة سوى 2.466.113 قضية أي بنسبة بتّ في القضايا بلغت 76.76 %من القضايا الرائجة.
للتعليق على هذه الإشكالية، حاول موقع (إرفع صوتك) الاتصال بوزير العدل والحريات، أو المسؤولين في ذات الوزارة لأخذ تصريحاتهم، غير أن هواتفهم ظلت ترن دون إجابة، فيما طالب آخرون بضرورة أخذ الإذن من الوزير لإعطاء تصريح.
قلة القضاة
وترى المسؤولة السابقة في وزارة العدل المغربية فاطمة الراوي أنّ بطء إصدار الأحكام في المغرب يتعلق بنوعية القضايا المعروضة أمام المحاكم، "فهناك قضايا تتطلب وقتاً كثيراً للاثباث والشهود، وهناك قضايا يتعذر فيها حضور ذوي الحقوق، إضافة إلى إشكالية عدم كفاية القضاة من حيث العدد وضعف الموارد البشرية المخصصة لهذا الغرض".
وكشف تقرير لوزارة العدل والحريات بالمغرب عن وجود نقص كبير في عدد القضاة مقارنة مع عدد سكان المغرب، حيث يوجد فقط 12 قاضياً لكل 100 ألف مواطن. وهو السبب الرئيسي في تأخر إصدار الأحكام، حسب الراوي في حديثها لموقع (إرفع صوتك)، "إذ يستحيل أن يبت قاض في أزيد من 400 قضية تعرض عليه، خاصة وأنّ تحقيق العدل يتطلب وقتاً كافياً للتفرغ للنظر في أيّ دعوى قضائية والإحاطة بكل جوانبها".
الفساد موجود
وعن إمكانية استشراء الفساد في القضايا المعروضة أمام المحاكم، وخاصة تلك التي يطول الانتظار في البت فيها من قبل القضاة، تقول الراوي "بالرجوع إلى قرارات وزارة العدل المغربية حول قضايا تأديب بعض القضاة الذين يعزلون، أو يتم إيقافهم، مؤشر على وجود الفساد. إلا أن الأمور تغيرت في السنوات الأخيرة، خاصّة وأن هناك مراقبة شديدة من طرف الوزارة".
ودعت القانونية المغربية المواطنين إلى "عدم السكوت عن الحق وترك الأمور على ما هي عليه، والمطالبة بحقهم في العدالة والانصاف، خاصة وأن وسائل ذلك أصبحت متاحة في الوقت الراهن".
*الصورة: وصل عدد القضايا التي تروج داخل المحاكم في المغرب إلى أكثر من ثلاثة ملايين/shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659