بقلم علي عبد الأمير:
منذ أن اجتاحت المنطقة موجة العنف التي تجّلت مع حملات الترويع الكبرى التي ينفذها تنظيم داعش، سعى عدد لا يُحْصَى من الكتاب والباحثين والمحللين وصناع الرأي إلى تبرير العنف أحياناً، ومحاولة تحليله أحياناً أخرى، بأسباب طبقية، وبغياب العدالة الاجتماعية.
فئات ضالة
لكن الباحث والكاتب السعودي كامل الخطي يرى في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أنّ "في الخطاب الرسمي لدولة مثل المملكة العربية السعودية، اكتفت هيئة كبار العلماء باعتبار الحركات والتنظيمات الدينية المسلحة التي تُمارس العنف، مجرد فئة ضالة أو خوارج العصر. وعليه، فقد أُخْرِجَتْ جماعات العنف من الدين الإسلامي، وسُلِبَت حق تمثيله في تضارب صارخ مع النصوص المؤسسة لعقيدة الجهاد، سواءً الآيات القرآنية أو ما صح من أحاديث الرسول حسب اشتراطات علم الحديث وفروعه كعلم الجرح والتعديل وعلم الرجال".
الحديث عن مجموعات العنف المسلح عربياً، بوصفها "خوارج" و"فئات ضالة"، من قبل بعض الحكومات والتيارات السياسية الإسلامية، يعني محاولة لفصل الإسلام عن الأصول الفكرية والشرعية للمجموعات الإرهابية. وهو ما ينظر إليه الخطي على نحو مختلف "أولئك الذين استخدموا التحليل الطبقي لتبرير أو لتحليل الممارسات العنفية الدينية، قد لجأوا لهذا المنهج إما خوفاً من اتهامهم بازدراء الإسلام، أو جهلاً منهم بمكونات النصوص المؤسِسة لعقيدة الجهاد. أما رجال الدين الرسميون الذين استراحوا لوصف هذه الجماعات بالضلال والخروج، فهم يعلمون علم اليقين أن هذه التهم لا تمت للحقيقة بصلة، لكن لا خيار لديهم سوى تبرئة الإسلام".
العدالة القضائية والعنف
وحين نصل إلى غياب العدالة القضائية، بوصفها عاملاً يؤدي إلى ازدياد معدلات العنف والتطرف، يقول الخطي إنّه لا يرى علاقة متينة بين العاملين. وفي ذات الوقت، لا ينفي أن غياب العدالة القضائية "قد يسبب ظهور حالات عنف وتطرف بدافع اليأس وانعدام الثقة في النظام العدلي المنحرف عن مقصده الأساسي، وهو السعي إلى تحقيق العدالة".
لكن قاضياً عراقياً تولى هيئات عدلية سابقاً، هو القاضي رحيم العكيلي يرى عكس ذلك في حالات عاشتها بلاده، حدّ أنّه يقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ "الإجراءات القضائية الكارثية أدّت إلى تقوية قوى التطرف والمجموعات المسلحة وصولاً إلى تنظيم داعش الارهابي".
وعن الإنتهاكات عبر قرارات قضائية غير عادلة، يقول القاضي والباحث العراقي زهير كاظم عبود في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) إنّها تؤدي إلى "التفريط بحرية المواطن وكرامته. والتوقيف من دون أوامر قضائية أمر موجود، بالإضافة إلى تنفيذ حالات القبض على المواطنين من دون أوامر قضائية ومن جهات لا تختص بالإجراءات التحقيقية. حتى أنّ بعض وحدات قوات الجيش العراقي أخذت على عاتقها القبض على المواطن وإجراء التحقيق الابتدائي معه خلافاً لأحكام القانون، بالإضافة إلى حالات التعذيب والاعتداءات التي وصلت إلى درجة اعتماد القسوة المفرطة وقتل عدد من المواطنين أثناء التحقيق، واعتماد ثقافة التصدي للمواطن عند ممارسة حقه في التظاهر والتعبير عن حرية الفكر والضمير والعقيدة خلافاً لكل مبادئ حقوق الإنسان والدستور العراقي".
وبالعودة إلى النقاش حول الأصول الدينية والقضائية للعنف والمجموعات الإرهابية عربياً، يعتقد الباحث والكاتب كمال الخطي أنّ "غياب العدالة القضائية هو جزءٌ من كل. والكل هنا هو غياب العدالة الاجتماعية التي يشكل غيابها الإطار الأكبر لغياب العدالة في جميع مناحي الحياة. لكن العنف المنطلق من أسس دينية لا علاقة له بغياب العدالة، لا الاجتماعية، ولا القضائية، فهذا النوع من العنف ينطلق من فهم محدد لنصوص ثابتة، وهذا الفهم ليس مستجداً في الخطاب الإسلامي، فهو فهم قديم قدم نشوء الخطاب الإسلامي نفسه".
*الصورة: أطفال سوريون يلهون وسط أنقاض المنازل جراء العنف/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659