عشائر في جنوب العراق
عشائر في جنوب العراق

في العام 2012، تعرّض أسامة وهو شاب في العقد الثالث من عمره ويعيش في إحدى مناطق العاصمة بغداد مع صديقه، لإطلاق نار على يد مجهولين. وعلى أثر هذه الحادثة، فقد صديقه حياته بينما قضى أسامة أيامه في السجن بتهمة جريمة القتل.

"لم يكن هناك شهود على هذه الواقعة. وتعرّض أسامة لمختلف أساليب التعنيف والضرب الشديد خلال التحقيق معه لكي يعترف بالتهمة على الرغم من براءته. حتّى أنّه تمّ إلقاء القبض عليّ وتعذيبي أمامه لإجباره على الاعتراف"، يقول أحمد، وهو شقيق أسامة، في حديث لموقع (إرفع صوتك) عن تجربة أخيه في أحد مراكز الشرطة.

يتابع أحمد بحرقة "يحدث أمر كهذا، أن يستسلم البريء ويعترف بجريمة لم يقترفها. وشقيقي فعل ذلك مقابل الإفراج عني. ضاع مستقبل شقيقي واعترف أنّه قتل صديقه على إثر مشاجرة رغم أنّ القاضي لم يكن مقتنعاَ باعترافه. وهو الآن يقضي حياته في السجن. وسيبقى هناك لعشرين عاماً، مدّة حكم سجنه".

بحسب رواية أحمد، هاجم بعدها منزلهم رجالٌ يحملون السلاح من عشيرة المجني عليه وهددوهم بالثأر لابنهم. "وفي قسم الشرطة كانت المفاجأة بالنسبة لنا. عندما تقدمنا ببلاغ حول تهديد هذه العشيرة لنا، رفضوا التدخل وأخبرونا أنّ القانون ينتهي دوره بإصدار الحكم على الجاني. أمّا تبعات القضية من الناحية العشائرية فهذه تحل فيما بينكم".

يقول أحمد إنّ عشيرة المجني عليه خيّرتهما بقتل شاب من أسرتهم أو دفع مبلغ من المال مقابل ان يتركوهم بسلام. "دفعنا المال. كان الطريق الأسلم لنا".

حكاية شرف العشيرة

النساء في العراق لا يسلمن من النظام السائد. وحسبما تروي الناشطة في مجال حقوق الإنسان بتول محسن، تعرّضت شابة تدعى نويرة، وقد كانت فتاة قاصرة في الخامسة عشرة من العمر عام 2014، للاغتصاب من قبل رجل يعمل بالأمن – رُفِض الكشف عن اسمه - وتم ايقافهما في مركز للشرطة لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة.

"بعد أن خرجت مع والدها الذي كان يصاحبها في كل الخطوات، أقدم على قتلها ودفنها"، تتابع محسن، مضيفةً  أنّه في غضون أشهر قليلة، تمّ اكتشاف مكان الجثة. وبعد اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بحق الأب القاتل، حُكم عليه بعقوبة مخففة مع وقف التنفيذ.

"يُعتبر تعرض الفتاة للاغتصاب من الأمور المخلة بشرف رجال العشيرة، والقانون العراقي يتغاضى عنها"، تقول محسن.

حكم على الشرطي بالسجن لخمس سنوات، بينما خسرت الضحية حياتها.

السلطة القضائية تمتنع عن فتح هكذا ملفات

لم تكن هذه الفتاة الوحيدة التي تعرضت لاغتصاب وتمّ قتلها بدافع الشرف من قبل عشيرتها. فهناك المئات من القضايا التي لا يستطيع القضاء العراقي التدخل في الحكم عليها لغياب سلطة القانون وضعف أجهزة الدولة التي تنفذه، فضلاً عن سوء الأوضاع الأمنية في البلاد والتي فسحت المجال لتنفيذ السلطة العشائرية، بحسب مدير عام دائرة رصد الأداء وحماية حقوق الإنسان كامل أمين.

ويقول أمين لموقع (إرفع صوتك) "القضاء العراقي لا يتدخل في الأمور التي تتعلق بالعشائر، خاصّة غسل العار وغيرها من القضايا الأخرى مثل الثأر. ولا يفرض عقوبة صارمة على جريمة القتل".  ويضيف "حتى أن السلطة القضائية تمتنع عن فتح هكذا ملفات وترفض مناقشتها".

وزارة العدل

في خضم هذا الواقع، لا تنفي الجهات المسؤولة هذه الظاهرة وتفشيها ولكنها تصفه بالـ "ودّي". ويقول غزوان الظالمي، مدير قطاع الإعلام في وزارة العدل العراقية، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أصبح للسلطة العشائرية دوراً من الصعب جداً أن نتغاضى عنه. لكنّه لا يتعدى كونه ودياً، بمعنى أن الديّة التي تفرضها العشيرة على أهل الجاني هي وسيلة لإنهاء القضية ومحاولة لإيقاف ثارات الدم بين عشيرة الجاني والمجني عليه".

ويضيف "قد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد تنازل بعض العشائر بعد تسلم الديّة عن حقها الخاص بعقوبة الجاني من سنوات حبسه، من دون أن يكون هناك تدخل بالحق العام الذي يُنفذ على الجاني بحبسه وفق ما يناسب القاضي والعقوبة القانونية".

"نعيش الآن وفق قوانين العشيرة"

عادةً ما يجتمع شيوخ العشائر في خيمة كبيرة يطلق عليها تسمية (المضيف) ليصدروا حكماً ويفرضوا ديّة (عادة مبلغ مالي) على "المتهم" من عشيرة ما.

ويحدث الآن في المحافظات العراقية، ومن بينها العاصمة بغداد، مشاحنات واختلافات كثيرة بين العشائر، فتبدأ مشاجراتهم بالكلام وتنتهي بهجوم مسلح يذهب ضحيته أفراد من العشيرتين. وكل هذا يجري أمام أعين رجال الأمن والشرطة، لكن لا يقدم أحدهم على التدخل أو منعهم باسم القانون.

ويرى المستشار القانوني واثق زامل أنّ "العشائر لم تعد تحترم أو تهتم بالقانون المدني أو الجنائي أو بالأحكام القضائية وتعتبرها ضعيفة، لأنّه من الممكن شراؤها بالمال بسبب الفساد المالي والإداري داخل المؤسسات الأمنية، والقضائية أحياناً. هكذا صار الكل يلجأ للعشيرة لحمايته أو للحصول على حق ضاع منه".

ويشير إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان ترتكبها السلطة القضائية خوفاً من السلطة العشائرية، "ودائماً ما يكون هناك تصادم بين الذين ينادون بحقوق الإنسان والقائمين على تنفيذ القانون والعدل".

ويؤكّد زامل في ختام حديثه "نعيش الآن وفق قوانين سلطة العشيرة لا سلطة الدولة وقوانينها القضائية".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".