المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

مع تزايد التهديدات الإرهابية التي باتت تحدق بدول العالم، خاصّة في المنطقة العربية، برز المغرب كأحد أهم الدول التي تصدت بقوّة لهذه الأخطار، وخاصّة تلك التي يكون مصدرها تنظيم داعش الإرهابي. وذلك على الرغم من انضمام المئات من المغاربة للتنظيم.

وبعد اشتداد الخناق عليه في بلدان الشرق الأوسط، وخاصة العراق وسورية، أصبح تنظيم داعش يوجه بوصلته نحو بلدان شمال إفريقيا. فبعد تمكنه من دخول ليبيا مستغلا تدهور الأوضاع وضعف سلطة الدولة، لم يتمكن التنظيم الإرهابي من استهداف المغرب، رغم التهديدات التي أطلقها ضده قبل أسابيع.

وهدّد تنظيم داعش بتنفيذ عمليات إرهابية في المملكة المغربية خلال الأشهر الأخيرة، تحديداً التهديد بـ "غزوة رأس السنة الميلادية" التي قال إنّها ستستهدف الدول المشاركة في التحالف الدولي ضده. كما هدد في الأسابيع القليلة الماضية باستهداف المغرب، ودعا الموالين له إلى الالتحاق بالتنظيم في ليبيا، غير أن ذلك بقي ظل مجرد تهديدات لجسّ نبض المستهدفين.

منظومة أمنية محكمة

ويرى مراقبون أن عدم تمكّن تنظيم داعش من تنفيذ تهديداته التي وجهها ضد المغرب مؤخراً يعود أساساً إلى فعالية الخطط الأمنية التي اعتمدها المغرب خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى تحصين البلاد من التطرف عبر المؤسسة الدينية الرسمية.

وفي هذا الإطار، يقول رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات، أحمد الدرداري، إنّ تنظيم داعش "فشل في النيل من المغرب وذلك بسبب القدرات الأمنية والحس الأمني الذي تتميّز به البلاد سواء على مستوى الداخل والخارج".

ويضيف الدرداري في حديث لموقع (إرفع صوتك) "الفضل يعود إلى المؤسسات الأمنية التي تعمل على حماية الوطن وسلامته، ذلك أن المغرب يتوفر على استراتيجية أمنية استباقية يطلع من خلاله بشكل مسبق على تحركات الجماعات المتطرفة في البلدان العربية والأوروبية والخلايا المرتبطة بها بالمغرب".

خطط أمنية

ويتصدّى المغرب للأخطار الإرهابية عبر مجموعة من الإجراءات الأمنية، أبرزها رفع حالات التأهب في صفوف الأجهزة الأمنية، ورفع حالة اليقظة عبر الحدود والمطارات، إضافة إلى إطلاق مخطط "حذر" بقرار ملكي، بهدف رفع المستوى الأمني.

ويقوم المخطط الأمني "حذر" على تنسيق التعاون الأمني بين مختلف الأجهزة الأمنية في المدن المغربية، كما يهدف إلى توفير الأمن للمواطنين المغاربة والأجانب. ويشمل المخطط  تأمين حماية المناطق الحيوية والاستراتيجية كالمطارات والسدود وأماكن العبادة الخاصة بالديانات الأخرى والممثليات الدبلوماسية الأجنبية، فضلاَ عن المنشآت السياحية والصناعية الكبرى بالبلاد.

وتمكّنت وزارة الداخلية المغربية من تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية خلال السنوات الأخيرة، كانت لها صلة بتنظيمات إرهابية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أبرزها تنظيم داعش، إضافة إلى الجماعات المسلحة الموالية لتنظيم القاعدة في الشمال الإفريقي.

منظومة أمنية "متعددة الطبقات"

وقال الباحث المغربي في العلاقات الدولية والجماعات الإسلامية خالد الشيات إنّ النموذج المغربي في التصدي للإرهاب والتطرف قائم على منظومة أمنية "متعددة الطبقات"، ما يتيح مرور المعلومة من قنوات متعددة جزء كبير منها منغمس في البنية الاجتماعية. "وهو أمر يعطي الفعالية للأعمال الاستباقية لمكافحة الظاهرة الإرهابية التي تحتاج للتنظيم والتأطير والتنسيق أحياناً على مستويات متشعبة عالمياً، وهو ما يتيح للأمن المغربي القدرة على الاستباق والردع قبل تنفيذ الأعمال الإرهابية".

الاستباق الأمني غير كاف

ونبّه الشيات إلى أن عمليات منفردة بدون تنسيق أو تخطيط مسبق – وهو ما يعتمد عليه داعش حالياً في إطار ما يسمى بـ"عمليات الذئاب المنفردة" يمكن أن تنفذ وتحدث أضراراً بشرية ضئيلة، لكن يمكن أن يكون لها تبعات نفسية واقتصادية واجتماعية كبيرة. "وهذا يعني أن النجاعة الأمنية لها حدود أيضاً حتى لو تفوقت على المستوى الاستباقي".

استنفار قانوني

ومع تزايد تفكيك الخلايا الإرهابية بالمغرب، وخاصة تلك المرتبطة باستقطاب الشباب وإرسالهم إلى بؤر التوتر في الشرق الأوسط، سارع المغرب إلى سن قوانين تجرم "الالتحاق أو محاولة الالتحاق بمعسكرات التدريب بـ"بؤر التوتر الإرهابية"، أو تلقي تدريبات داخل أو خارج المغرب، بهدف القيام بأعمال إرهابية" حسب نص القانون.

الأمن الديني

وفضلاً عن الاستنفار القانوني، عزا الباحث المغربي الدرداري سبب عدم توغل داعش في المغرب إلى الأمن الديني، قائلاً "ما يميز المغرب هو الأمن الديني والخط الديني المعتدل الواعي بإكراهات العصر، والذي ينبذ التشدد والتطرف".

من جهته، يرى المحلل السياسي المغربي الشيات أنّ الإرهاب يقوم على إقناع الأتباع بافتراض "كفر" الدولة، وبـ"تنقية" الإسلام، "وفي هذا المستوى نجد أن المغرب محصن بمؤسسات دينية عتيدة ومقبولة اجتماعياً، على رأسها إمارة المؤمنين والهيئات العلمية الدينية الأخرى".

الصورة: "الفضل يعود للمؤسسات الأمنية التي تعمل على حماية الوطن وسلامته"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".