بقلم علي قيس:

رفض محمد القزاز إبلاغ أفراد من الشرطة، وكانوا يبعدون عشرات الأمتار عن مكان تعرضه لسرقة قام بها شخصان، مفضلاً تسليم المهاجمين كل ما يحمل في جيبه من مال.

يروي القزاز، وهو أستاذ في جامعة بغداد، لموقع (إرفع صوتك) تفاصيل ما تعرض له، موضحاً، أنه كان في طريقه لزيارة زوجته التي كانت تتعافى من آلام الولادة في منزل أهلها. وأثناء مروره في شارع فلسطين في بغداد، ارتمى شخصان على سيارته وأحدثا صوتاً بضرب أيديهما عليها.

وتابع قزاز "توقفت عند الإشارة المرورية قرب نقطة لشرطة النجدة، وإذا بالشخصين يدخلان إلى السيارة. أحدهما جلس بجانبي والآخر في المقعد الخلفي. وقالا عليك بتسوية الأمر، صدمتنا بسيارتك، أعطنا ما تملك من مال وإلا سنلاحقك عشائرياً. أخبرتهم بأني موظف بسيط، فاكتفوا بما أحمل من نقود. وكانت خمسين ألف دينار".

رفض القزاز الاستعانة بالقوات الأمنية التي كنت على مسافة بسيطة من مكان الحادث، لأسباب أوضحها بقوله "نظرت إلينا عناصر الشرطة القريبة من مكان توقفنا، ولم تتدخل.. أحسست أن الأمر يتطلب التعامل بحكمة مع الموقف، للتخلص من هذين المحتالين".

فكر القزاز قليلا، ثم قال "الآن، انعدمت ثقتي كلياً بقدرة رجال الأمن أن يتغلبوا على مثل هذه المواقف. وبعد أن كانت لدي شكوك، أصبحت متيقناً تماماً".

لم يكتفوا بقتله بل قاموا بتعذيبه رغم صغر سنه

تجربة هادي أبو حسن، من سكنة منطقة بغداد الجديدة شرقي العاصمة، مع قوات الأمن كانت أفضل، مع أن النهاية لم تكن سعيدة.

وروى أبو حسن تفاصيل الحادثة لموقع (إرفع صوتك) قائلاً "ابني يونس عمره ست سنوات، ذهب إلى محل في الأسواق بجانب منزلنا. وبعد أن لاحظت أن وقت عودته تأخر، خرجت للبحث عنه ولم أجده".

خرج أبو حسن مع عدد من أقاربه للبحث عن الطفل في المستشفيات والمساجد والحسينيات. وقاموا بإبلاغ القوات الأمنية باختفائه، لكن دون نتيجة.

يضيف أبو حسن "بعد يومين وفي ساعة متأخرة من الليل، اتصل أحد الجناة وطلب منا مبلغ 50 ألف دولار مقابل تسليمنا يونس. وبعد مفاوضات حول المبلغ، وافق الجاني على تخفيضه إلى 10 آلاف دولار".

لكن القوات الأمنية وجدت جثة الطفل بعد أيام، وكانت تبدو عليها آثار تعذيب شديدة.

وأضاف أبو حسن "إبلاغ الجهات الأمنية أسهم بالكشف عن الجناة، الذين يقبعون الآن في السجن بانتظار تنفيذ قرار القضاء بحقهم".

الداخلية تؤكد: أولى أولوياتنا ثقة المواطن

المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن أكّد بدوره أن أغلب المواطنين يتوجهون إلى الجهات الأمنية للإبلاغ عن الحوادث التي يتعرضون لها. وقال لموقع (إرفع صوتك) إنّ "موضوع المطالبة بالحق الشخصي لا يمكن أن يكتمل، بدون فعل الإخبار المسبق، لأن ذلك أول ركن في بناء الدعوى الجزائية أو القضائية. لذلك نجد أغلب المواطنين يتوجهون إلى الجهات التنفيذية لوزارة الداخلية، للإبلاغ عن الحوادث التي تعرضوا لها".

ويؤكد معن أن إبلاغ القوات الأامنية بلاغ بقوله "إذا تعرض أي شخص إلى حادث وتم تسوية الموضوع بشكل مباشر مع الجاني، من دون إبلاغ الجهات الأمنية، لن يكون للضحية الحق على المستويين الأمني والقضائي في حال حدوث أي مستجدات".

وتابع المتحدث باسم وزارة الداخلية أن "ثقة المواطن من أهم أولويات الوزارة، وهي تبذل جهود كبيرة عبر أكثر من نافذة، سواء من خلال الشكاوى وأبواب المسؤولين، أو من خلال انفتاحها على وسائل الإعلام. إضافة الى موضوع استبيان الرأي، الذي يتضمن استقراءات لآراء المواطنين بشأن المنظومة الأمنية".

واختتم العميد معن حديثه قائلاً إنّ "الجهود التي بذلتها الوزارة بدأت تأتي بثمارها، وهذا ما لاحظناه في الآونة الأخيرة، من خلال زيادة نسبة إخبار المواطنين عن الحوادث التي يتعرضون لها".

*الصورة: نقطة تفتيش أقامتها قوات الأمن العراقية في بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.