مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

"يعيد التاريخ نفسه" مقولة يردّدها المؤرخون، لكنها قد تلخص مسيرة جماعة الإخوان المسلمين التي عانت في أحيان كثيرة من الاضطهاد، ثمّ اتهمت أنها كررت نفس الأخطاء والممارسات التي عانت منها بحق مكوّنات المجتمع الأخرى عندما تسلمت السلطة في مصر.

رحلة الإخوان

في أربعينيات القرن الماضي، بدأ قمع الإخوان المسلمين عبر حلّ الجماعة على أيدي النقراشي باشا رئيس وزراء مصر آنذاك، مروراً بالقبض على الآلاف منهم سنة 1965. وتمّ إعدام ثلاثة من قيادات الجماعة هم سيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل ومحمد يوسف هواش وذلك بعد خلاف شديد مع الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. ثم تمّ القبض على عدد كبير منهم بعد اغتيال الرئيس أنور السادات سنة 1981.

وجاء عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك والذي ازدادت خلاله عمليات الاعتقال والتعذيب لأعضاء من الجماعة وفقاً للمركز الإعلامي للإخوان المسلمين بالدقهلية، والذي يرصد عدداً من البلاغات التي قدمت للنائب العام بشأن عمليات الاعتقال.

ففي العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1997، قدّم المهندس محمود الراوي وآخرون بلاغات رسمية للنائب العام بتعرضهم للتعذيب، حيث قامت قوات الأمن بتجريدهم من ملابسهم وصعقهم بالكهرباء في أماكن حسّاسة بأجسادهم، وذلك حسب المركز الذي يضيف أنّه في شهر نيسان/أبريل من عام 2009 تعرّض كل من ناصر سيد وعبد المجيد شعبان للضرب والإهانة وتجريدهم من ملابسهم بمباحث أمن الدولة في بني سويف.

 فيما تقدم محمد علي درويش أحد إخوان محافظة الجيزة في عام 2011 ببلاغ للنيابة العامة للتحقيق بواقعة تعذيبه داخل مقر أمن الدولة بمدينة أوسيم التابعة للمحافظة.

صفقات مشبوهة؟

في المقابل، يرى آخرون أن نظام مبارك تعامل مع الإخوان بطريقة "غريبة" حيث كان يتم إلقاء القبض على بعض أعضاء جماعة الإخوان، فيما يترك لآخرين من أعضائها السيطرة على النقابات.

وهنا يقول الدكتور ثروت الخرباوي القيادي السابق بجماعة الإخوان لموقع (إرفع صوتك) إنّ الجماعة "كانت تعقد صفقات مع نظام مبارك وكان أعضاؤها يدخلون البرلمان ويمارسون التجارة وينشئون مدارس تابعة لهم ويملكون أكبر شركات اقتصادية في مصر وكل هذا تحت نظر الجهات الأمنية".

وأضاف أنّه شاهد بنفسه سجون مزرعة طره التي كان يقضي فيها بعض قيادات الإخوان فترة عقوبتهم في عهد مبارك ووصفها كأنّها "فيلا خاصّة يتمتع فيها قادة الجماعة بقدر كبير من الرفاهية"، مشيراً إلى أن "مسألة تعرض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين للاضطهاد والتعذيب في عهد مبارك مسألة غير دقيقة، لكن الجماعة هي من صدّرت مفهوم الاضطهاد لتحظى بتعاطف الشعب الذي لا يعلم الحقائق".

بدل أن تحارب الاضطهاد، راحت تمارسه

أما الأستاذ خالد الزعفراني الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، فيقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ كل التنظيمات السرية التي نشأت على مرّ التاريخ ومنهم جماعة الإخوان المسلمين "تكون مصابة بأمراض نفسية كثيرة منها عقدة الاضطهاد والنظرة إلى الآخرين بريبة".

ويشير الزعفراني إلى أنّ جماعة الإخوان وبعد تعرضها للاضطهاد لعشرات السنين لم تستطع التخلص من مرض "التلذذ بالاضطهاد". "وبعد وصولها للحكم وبدلاً من أن تحارب الاضطهاد، راحت تمارسه ضد المجتمع. وبدلاً من القضاء على فكرة الإقصاء - التي عانت منها الجماعة - استأثرت بالحكم وأقصت كل التيارات السياسية المخالفة لها في الرأي وأصدرت الإعلان الدستوري ثم حلت المحكمة الدستورية وقامت بممارسات خاطئة ضد المواطنين".

ويذكّر الزعفراني بأحداث الإتحادية التي وقعت في كانون الأول/ديسمبر 2012 حيث وصف الرئيس الأسبق محمد مرسي معارضيه المعتصمين أمام القصر الرئاسي بالإتحادية "بالبلطجة"، مضيفاً "قام أعضاء جماعة الإخوان بمهاجمة الاعتصام والاعتداء على معارضيهم ومن بين ضحايا هذه الأحداث الصحافي الحسيني أبو ضيف الذي كان يقوم بتغطية الأحداث، فتلقى رصاصة في رأسه لقي على إثرها مصرعه. وأيضاً تم تعذيب السفير يحيي نجم ومهندس الاتصالات مينا فيليب وتعرّضا لاعتداءات وحشية من قبل أعضاء جماعة الإخوان لإجبارهما على الاعتراف بأنهم عملاء".

تلك الممارسات وغيرها وضعت جماعة الإخوان، حسب الزعفراني، في مواجهة مع المجتمع "فأصبحت الجماعة مضطهدة من الشعب والسلطة معاً. وبات الشعب يرفض عودتها إلى النسيج الوطني مرة أخرى. كما أصبحت جماعة الإخوان المسلمين غير قادرة على إقناع شبابها الذي ابتعد كثير منه عن الجماعة وانخرطوا في المجتمع".

*الصورة: الأمن المصري يعتقل أحد مؤيدي الإخوان المسلمين خلال اشتباكات في القاهرة/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.