بغداد – بقلم ملاك أحمد:

في 22 تموز/يوليو من العام 2013، هاجم مسلّحون مجهولون في وقت متزامن سجن أبو غريب الذي يقع غرب العاصمة العراقية بغداد وسجن التاجي الذي يقع شمال العاصمة. واستخدم المسلحون مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والقاذفات والعبوات الناسفة، ممّا أدى إلى هروب مدانين محكوم عليهم بالإعدام منهم أعضاء كبار في تنظيم القاعدة.

أسئلة كثيرة طرحت وتطرح عن تلك الهجمات، وحول احتمالية وجود تواطؤ من قبل أحزاب سياسية أدى لنجاح عملية تهريب المئات من السجناء أم أنّ ما حدث كان بسبب هشاشة أداء الأجهزة الأمنية؟

ضعف الجانب الاستخباراتي

"من يراقب التصريحات التي سبقت هروب السجناء يلاحظ أنّ هناك الكثير من الأمور التي تؤكد حصول الجهات الحكومية والأمنية على معلومات علنية وسرية عن وجود تحركات تجاه تهريب السجناء"، يقول المحلل السياسي عباس خلف في حديث لموقع (إرفع صوتك).

ويشير إلى أنّه قبل عام من تهريب السجناء وتحديداً في 22 تموز/يوليو 2012، أعلن أبو بكر البغدادي، وهو حالياً زعيم تنظيم داعش، عن خطة لتحرير عناصر تنظيم (دولة العراق الإسلامية) آنذاك من السجون ضمن عملية أسموها "هدم الأسوار".

وبعد عام من التاريخ نفسه، نفذ البغدادي وتنظيمه الهجوم على سجني أبو غريب والتاجي، ليفرّ أكثر من 500 سجين. ويضيف خلف أنّ الروايات تشعبت آنذاك حيال تصريحات اللواء حامد الموسوي، مدير عام دائرة الإصلاح العراقية – وهي دائرة تابعة لوزارة العدل ومسؤولة بشكل مباشر عن حماية سجني أبو غريب والتاجي وغيرها من معتقلات في العراق – "لا سيما عند عدم نفيه أو تأكيده فرار السجناء".

وبحسب عباس، هذا ما أثار الشكوك حول "أجهزة المنظومة الأمنية التي إمّا تفتقد الاستخبارات الجدية في عملها أو تتعمد أن يكون هناك ضعف في أداء العمل الاستخباراتي".

الفساد الإداري والمالي

يعود الخبير الأمني أحمد الأبيض إلى الحادثتين، مشيراً إلى أنّ التفتيش والحراسة عبر الأبراج - المحيط الخارجي والأبواب والمداخل الرئيسة - مسؤولية 340 فرداً من الشرطة الاتحادية التابعة لوزارة الداخلية، بينما مهمة دائرة الإصلاح تتمثل بالأمور الإدارية فقط.

ويتابع الأبيض في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "أمّا الحراس الإصلاحيون التابعون لوزارة العدل، فلم يكن بحوزتهم أسلحة ولا يجوز لهم حمل السلاح داخل السجن وفق القانون. في حين كانت مسؤولية عناصر اللواء 55 - فرقة 17 تتلخص بدوريات يومية قبل وقت الغروب لإسناد حماية السجن".

واستناداً إلى مصادر وزارة الداخلية، فإن أكثر من 100 قذيفة هاون نوع "آر بي جي" ورشاشات "بي كي سي" و6 انتحاريين وعبوات ناسفة قد تم استخدامها في هذه العملية، يقول الأبيض، "الأمر الذي يكشف هشاشة أداء الأجهزة الأمنية وضعف تجهيزها، خاصّة الأجهزة القائمة على حراسة السجون وتأمينها".

خلافات وصراعات لأحزاب سياسية

يشير مراقبون إلى أنّ مناخاً من الصراعات السياسية والحزبية ساد تلك الفترة التي تم تهريب السجناء فيها. ويوضح المحلل السياسي سعد الغزي أنّ عضو كتلة الأحرار النائبة مها الدوري في العام 2013 ذكرت أنّ رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كان متورطاً بتسهيل هروب سجناء أبو غريب والتاجي مع بعض قادة الفرق العسكرية والقادة الأمنيين.

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنّ تصريحاتها هذه "جاءت بوثائق رسمية تثبت تحذيرات عدة من وزارة العدل العراقية عن اقتحام السجون وهروب السجناء في 24 حزيران/يونيو 2013، وورود معلومات مؤكدة بأنّ تنظيم القاعدة الإرهابي ينوي اقتحام السجون عن طريق دخول انتحاريين بالتنسيق مع النزلاء الموجودين في تلك السجون وإحداث حرائق في أقسام السجون وشغب وفوضى وغيرها من التفاصيل الدقيقة".

وفي 8 تموز/يوليو 2013، برزت وثيقة رسمية أخرى من الوزارة نفسها تطلب اتخاذ الحيطة والحذر والتنسيق مع الأجهزة الامنية كافة بسبب حصولها على معلومات مؤكدة عن "استعداد مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة للهجوم على سجن التاجي بواسطة الأحزمة الناسفة مستخدمة الطريق الذي يربط منطقتي النباعي بالتاجي، وصولاً إلى السجن خلال الأيام القليلة القادمة". كل هذه الوثائق كانت تحذيرات سبقت الهجوم على السجن، حسب غزاوي.

معطيات وأدلة عديدة

من جهته، يوضح الخبير الأمني سعد اللامي في حديث لموقع (إرفع صوتك)، أن المتابع لحادثتي الهجوم على سجني أبو غريب والتاجي يشك بتواطؤ الأجهزة الأمنية مع بعض الأحزاب الدينية لتهريب السجناء. "ومن الممكن تأكيد ذلك عبر معطيات وأدلة عديدة منها تغيير مدير السجن قبل الهجوم بأيام قليلة، والذي قام بدوره بإحداث تغييرات في عنابر السجن وعزل سجناء تابعين لحزب متنفذ بالسلطة آنذاك، هؤلاء الذين يبلغ عددهم 160 سجيناً لم يتعرضوا للأذى ولم يشاركوا في الأحداث الصاخبة التي حدثت ليلتها في السجن".

ويرى اللامي أنّ الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعدّاه إلى تأخر وصول التعزيزات الأمنية للسيطرة على الوضع، "رغم تعليل تأخرها – غير المقنع - بأنها كانت في مواجهة جماعات مسلحة على طول الطريق للوصول إلى تلك السجون".

ويتساءل "كيف هرب السجناء وكيف حدثت هذه العملية بوجود ما يقرب 70 ألف عنصر أمني في بغداد؟ ولماذا لم تأتِ قوات لواء (55) التابعة للفرقة (17) في هذا اليوم تحديداً - رغم أن واجبها كان الإسناد وحماية السجن - والتي كان يقودها آنذاك اللواء الركن ناصر الغنام العسكري المستقيل قبل الحادث بأيام قليلة؟".

وزارة العدل العراقية

ويقرّ غزوان الظالمي، مدير قطاع الإعلام في وزارة العدل العراقية، في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنّ "ملف التحقيقات الخاص بتهريب سجناء أبو غريب والتاجي كشف عن تورط بعض الجهات الأمنية، فضلاً عن عدم أهلية السجون لاحتواء مثل هكذا سجناء خطرين".

ويضيف "بعد هذه الأحداث، تم اتخاذ إجراءات مختلفة، وبالاتفاق مع رئاسة الوزراء، حتى تكون حماية السجون مشتركة بين وزارتي الداخلية والدفاع، في حين أصبحت الإجراءات الأمنية داخل تلك السجون مهمة الحراس الإصلاحيين التابعين لوزارة العدل لتجنب تواطؤ أي جهة من الجهات المسؤولة".

*الصورة: سجن أبو غريب، غرب بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".