بقلم علي قيس:

جرائم لا حصر لها تلك التي قام بها تنظيم داعش، بعد فرض سيطرته على عدد من المناطق في العراق وسورية، من قتل لآلاف الأشخاص واغتصاب النساء وتهجير الأقليات الدينية ومصادرة أموالهم ومنازلهم.

غير أن من أخطر ما يقوم به التنظيم هو محاولة غسل أدمغة الأطفال لتنشئة جيل من الإرهابيين من خلال مناهج دراسية أعدّها التنظيم في محاولة لضمان استمرار جنون الإجرام.

وهو ما يجعل خطر هذا التنظيم يمتد لمرحلة ما بعد تحرير المناطق الخاضعة لسيطرته.

موقع (إرفع صوتك) يستعرض نماذج من هذه المناهج وبالصور لمعرفة حجم الخطر الذي يواجهه هؤلاء الأطفال.

قراءة 2 أخيرة

التعليم عند داعش

حاول التنظيم المتشدد تغيير المناهج وسنوات الدراسة، فجعل مراحل الدراسة الابتدائية خمس سنوات.

وبدل أن يتعلم الطفل قواعد القراءة بما يضمن استمرار براءته وسلامة فطرته، إلا أن داعش اختار أن يعلم الأطفال القراءة باستخدام صور الأسلحة وما يحض على القتل والعنف ويسلب الأطفال مبكراً من سعادتهم.

الأول الابتدائي

حصل موقع (إرفع صوتك) على تسع مواد يدرسها تنظيم داعش للأطفال في سنتهم الدراسية الأولى، منها مادة الرياضيات.

ولتعليم الأطفال العد والأرقام، استخدم التنظيم صور سيوف كتلك التي يستخدمها مسلحوه في قطع رؤوس ضحاياهم. كما استخدم صوراً لبنادق ومسدسات وطائرات مقاتلة.

مادرة الرياضيات ورحلة اولى ابتدائي

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سعى التنظيم لتغيير صورة العائلة في ذهن الطفل.

وفي مادة العلوم، تحديداً عند موضوع الأسرة، نجد صورة أفراد العائلة ويظهر فيها الأب وهو يحمل بندقية.

وسعى إلى تغيير صورة الطفل أيضاً، حيث استخدم التنظيم، في موضوع عن الغذاء، صورة طفلٍ ملثم يرتدي زياً عسكرياً ويحمل بندقية على كتفه.

علوم 1 ابتدائي
علووم 1 ابتدائي

ثقافة ترسيخ العنف والقتال في ذهن تلاميذ الأول الابتدائي موجودة أيضاً في مادة القراءة، حيث استخدم مصمّمو المنهج صور الأسلحة في تعليم حروف الأبجدية.

قراءة 1 ابتدائي

وفي هذا السياق، قالت أستاذة علم النفس في جامعة بغداد الدكتورة شيماء عبد العزيز لموقع (إرفع صوتك) إنّ "تنظيم داعش يحاول عند سيطرته على المناطق تغيير المنظومة الأخلاقية والدينية فيها بما يلائم نهجه التكفيري. وهم يركزون على المرحلة الابتدائية لأنّ الطفل عبارة عن صفحة بيضاء يمكنه أن يستوعب كل ما يروج له من أفكار. وذلك من خلال المناهج الدراسية لأنها الوسيلة الوحيدة التي تمكنهم من السيطرة على الطفل".

الثاني ابتدائي

وفي مناهج المرحلة الثانية، وبدءاً من مادة تعليم القراءة، يركز الكتاب على موضوع الجهاد والمجاهدين. حيث يستعرض في الدرس الرابع مفهوم "الجهاد"، ويشدّد عبر ملاحظات مكتوبة يمين الصفحة للمعلّمين على ضرورة تعليم التلاميذ أن هذا العمل هو الأفضل والأقرب إلى الله، وصولاً إلى أناشيد تتغنى بـ"دولة الخلافة".

فيما يشرح الدرس السابع ضرورة إيواء المقاتلين الأجانب.

الجهاد

أما مادة الرياضيات، فلا يكتفي منهاجها باستخدام صور الأسلحة في العمليات الحسابية، بل يذهب إلى طرح الأمثلة والأسئلة بصيغة تهدف إلى زرع العنف عميقاً في عقل الأطفال.

وفي الصور أدناه بعض هذه الأمثلة.

رياضيات 2 مههم
رياضيات 2 مهههم

وحتى كتاب العلوم الذي كان يستعرض صوراً للحيوانات لم ينجُ من محاولة زرع التشدد، فوضع التنظيم وفي الصفحة الأولى صورة تظهر عناصر التنظيم وهم يرتدون زياً أسوداً ويحملون الأسلحة.

علوم 2 ابتدائي 1

مواجهة هذا الخطر

هذا الأسلوب دفع بأستاذة علم النفس شيماء عبد العزيز إلى التحذير من انعكاساته بالقول "نتيجة هذا التعليم، ستتسم شخصية الطفل بالعدوانية والعنف وكره الآخر، خصوصاً لمن يختلف معه بالدين أو المذهب".

وتابعت "لذا علينا إعادة صياغة أفكار هؤلاء الأطفال من خلال المناهج أيضاً. وعلى الحكومة والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الطفل أن تعمل على إعادة بناء شخصية الطفل، وبأكثر من وسيلة".

الثالث ابتدائي

وتنتقل مناهج التدريس في مرحلة الثالث ابتدائي من صيغة الصور الدلالية إلى سرد القصص عن عناصر للتنظيم، ومحاولة لصنع صورة إيجابية عنهم.

أحدهم تم قتله في معارك، والآخر قتل بعد تنفيذه عملية انتحارية، وتُروى القصص بطريقة تُقرّب تلك الأفعال إلى نفوس الأطفال في محاولة لصناعة صورة "البطل" في أذهانهم.

ففي مادة القراءة، وتحديداً في الموضوع الرابع، نجد قصة أبو عاصم الجزراوي، وهو سعودي الجنسية. أما الموضوع 17 فيروي قصة أبو أسامة المغربي من مدينة طنجة المغربية. ويختتم الكتاب رسالته بقصيدة قتالية تحمل صورة لعدد من مسلحي داعش وهم يرفعون علم التنظيم.

الرابع ابتدائي

منهاج المرحلة الابتدائية الرابعة يستمر على هذا النحو. ويروي في كتاب القراءة قصص عناصر آخرين للتنظيم، وهم أبو عبد الرحمن البيلاوي، عراقي الجنسية (وهو العقل المدبّر لعملية إسقاط الموصل)، قتل خلال اشتباكات مع القوات الأمنية العراقية في مدينة الموصل قبل احتلالها بأيّام. وهناك أيضاً قصّة عبد الرحيم الأسترالي الذي قتل بعملية انتحارية نفذها بسيارة مفخخة، مستهدفاً تجمعاً للقوات الأمنية العراقية.

قراءة رابع 1

الخامس الابتدائي

كتاب القراءة للصف الخامس، وهو الأخير ضمن المرحلة الابتدائية، يتضمّن في مادته قصصاً أخرى لعناصر داعش.

ضرورة الإسراع

وشدّدت أستاذة علم النفس في جامعة المستنصرية على الإسراع في تغيير المناهج الدراسية في العراق لمواجهة الآثار السلبية لهذه المناهج.

"يجب صياغة مناهج جديدة على أن تُشرك وزارة التربية فيها خبراء علم النفس والاجتماع والتربية والصحة، وأن لا يكون التغيير جزئياً، بل شاملاً لجميع المناهج، ومنذ مرحلة رياض الأطفال".

وتابعت عبد العزيز أن "الحالة النفسية تتطلّب وقتاً أطول لعلاجها، كما أن حالات العلاج تختلف بين شخص وآخر وفق ما تعرض له من ضغوط وصدمات. لذلك يجب أن تكون الأيادي التي تعيد بناء الطفل ذات خبرة عالية في هذا المجال، وهذا يحتاج إلى تضافر جميع الجهود الحكومية والمدنية لإنقاذ هؤلاء الأطفال".

*الصورة: طفل بريطاني ظهر في شريط فيديو لداعش/وكالة الصحافة الفرنسية

*الصور الأخرى: من مناهج داعش

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".