المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
بعد أن شهدت مدينة الدار البيضاء في المغرب خلال سنة 2003 تفجيرات إرهابية راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، بادرت الدولة إلى إعادة النظر فيما يُدرّس بمؤسساتها، خاصّةً الدروس المرتبطة بالدين.
إصلاح التعليم والدين
وهكذا باشر المغرب إصلاحات في عدة مجالات أبرزها الشأن الديني ومجال التربية والتكوين، حيث تم تغيير المناهج الدراسية بشكل كلي، من خلال التركيز على القضايا الراهنة التي تحارب التطرف والتعصب الديني وتعزّز الانفتاح على القيم الكونية وحقوق الإنسان.
وقبل تعديلات عام 2003، كان المغرب قد اعتمد "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" كمشروع إصلاحي للنظام التعليمي. وقد جاء هذا الميثاق بنموذج مغاير للمواطن "فهو بالإضافة إلى كونه متشبعاً بالقيم الإسلامية، إلا أنه يستحضر القيم الكونية كالاعتدال والتسامح. فالمواطن من وجهة نظر قيمية هو مواطن ضد جميع أشكال العنف والتطرف والتقوقع والانغلاق والشوفينية".
التربية الإسلامية بريئة
وفي هذا الإطار، تقول الباحثة في الدراسات الإسلامية الدكتورة فاطمة أباش إنّ "التربية الإسلامية غير مسؤولة عن انتشار العنف والتطرف، بل الفقر والجهل وانتهاك حقوق الإنسان هي المسببات لذلك. هذا بالإضافة طبعاً إلى السياسة القمعية التي تنهجها الدول العربية وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى بيان".
وتشير الباحثة التي تعمل مفتشة للتعليم الثانوي لمادة التربية الإسلامية في حديثها لموقع (إرفع صوتك) إنّها من خلال تجربتها في تدريس مضامين التربية الإسلامية قبل صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين وبعده، "ومن خلال ممارستي للتأطير والمراقبة التربوية، أقول إنّه لا توجد مضامين في الكتب المدرسية للتربية الإسلامية تحرّض المتعلم على التطرف أو العنف، بما في ذلك دروس الجهاد التي كانت مقررة وتمّ حذفها بذريعة أنّها ترسّخ ثقافة السيف".
حلول ترقيعية
وترى أباش أن "حذف نصوص من القرآن الكريم من الكتب المدرسية بذريعة أنّها تنشر التطرف والغلو والعنف ليس حلاً، بل هو ترقيع مرحلي لأزمة فكرية واضحة أو توتر فكري سينفجر عاجلاً أم آجلاَ إن لم يعالج الأمر بالشكل الصحيح. وأقصد هنا أنّه يجب البحث عن المشترك بين المسلمين أولاً وبعدها مع غيرهم من الديانات السماوية الأخرى بعيداً عن توجيهات السياسيين".
وتقرّ الباحثة المغربية بأنّ هناك مشاكل حقيقية في التراث الإسلامي من قبيل "الجهاد في سبيل الله" و"قتل المرتد". وترى أنّ عبارات ومسائل كهذه "تحتاج إلى قراءة سليمة تستحضر مقاصد الشريعة الإسلامية، ويشترط في هذه القراءة الحسم أولاً في الإشكاليات التي تطرحها، وإعادة تصحيح مسار منظومة مباحث علوم القرآن (الناسخ والمنسوخ/المحكم والمتشابه) وعلوم الحديث (النقد الخارجي والداخلي للنص)".
وتردف أنّ هذه القضايا والإشكاليات تحتاج إلى سنوات طويلة "من أجل إعادة تشكيل عقل مسلم مستقل ومنتج للفكر المتنور الذي يسهم في بناء الحضارة الإسلامية، عوضاً عن عقلٍ مسلمٍ مستهلك لما ينتجه الآخر".
الحاجة إلى المزيد
من جهة أخرى، يقول الأكاديمي المغربي إدريس المطلع لموقع (إرفع صوتك) إنّ "برامج الإصلاح السابقة في المغرب لم تطبق على أرض الواقع بشكل فعال، كما أن التعديلات السابقة لم تكن في المستوى المطلوب، خاصّة وأن بعض المناهج لا زالت بحاجة إلى تنقيح وإضافة دروس أخرى متعلقة بمواضيع التعايش والتعريف بالديانات الأخرى".
ويشير إلى أنّ ذلك "لا ينفي أنّها تضمّنت دروساً قيّمة ومناسبة لمستوى التلاميذ سواء من حيث طقوس العبادة أو الآداب الاسلامية، لكن لا زلنا نطالب المزيد من الانفتاح".
التربية الدينية عوضاً عن الإسلامية فقط
أما الأستاذ محمد الطالبي، فيتحدّث عن التعديلات التي أمر بها العاهل المغربي مؤخراً والتي يعتقد أنّها ستجعل من المناهج الدراسية وخاصة مناهج التربية الدينية منفتحة بشكل كبير على التطورات الراهنة.
ويشير في حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أنّه قد يتم تغيير اسم مناهج التربية الإسلامية إلى "التربية الدينية" نظراً لأن المغرب لا يوجد به مسلمون فقط، بل هنالك منتسبون لديانات أخرى يعترف بها الدستور المغربي، "وبالتالي الخروج من مسألة تخصيص الدروس المحصورة فقط بالتعريف بالديانة الإسلامية إلى دروس أخرى تشمل التعريف بالديانات الأخرى والاختلاف العقائدي والديني".
ويشار إلى أن الجهات المسؤولة في المغرب والتي وجهت لها دعوة إعادة النظر في مناهج التربية الدينية، وهي وزارة التربية الوطنية، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لم تعلن حتّى اللحظة عن تفاصيل هذه التعديلات، وما هي الإضافات التي ستحملها لمواجهة التأويل الخاطئ للدروس الدينية في المناهج التربوية.
* الصورة: "حذف نصوص من القرآن الكريم من الكتب المدرسية بذريعة أنّها تنشر التطرف والغلو والعنف ليس حلاً"/shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659