بقلم حسن عبّاس:

يعتقد البعض أن مناهج التعليم في المملكة العربية السعودية تؤدي إلى تنشئة التلامذة على قيم التطرّف والتمييز بين البشر.

سجال مستمرّ

طُرحت العلاقة بين المناهج الدراسية العربية وبين التطرّف بقوة بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001. وكُتب الكثير من النقد للمناهج السعودية، ووصل الأمر إلى حدّ مطالبة الولايات المتحدة الأميركية بتغييرها. وأمام الضغط الذي تعرّضت له، راحت المملكة تعلن عن إصلاحات لنظامها التعليمي.

وحديثاً، بعد ظهور تنظيم داعش، صار إصلاح التعليم من المسائل الأساسية التي تتطرّق إليها الاجتماعات الإسلامية. ففي شباط/فبراير 2015، دعا علماء دين مسلمون في ختام مؤتمر بعنوان "الإسلام ومحاربة الإرهاب"، عُقد في مكة، إلى "مراجعة ما تتضمنه مناهج التعليم في العالم من مضامين خاطئة ومغلوطة عن الإسلام والعمل على تصحيحها".

التمييز بين البشر

في كتاب الفقه للصف الأول الثانوي (بنين)، طبعة 2012، وبالتحديد في "الوحدة السادسة" التي تتناول مسألة "الديّات" (المال المؤدّى شرعاً إلى مجني عليه أو وليّه بسبب جناية)، يتعلّم الطلاب التمييز بين الناس بحسب دينهم، والتمييز بين الجنسين.

كما يوصف المسيحيون واليهود، أي "أهل الكتاب" بالكفّار ويُحطّ من قيمتهم.

من كتاب يُدرّس في مدارس المملكة العربية السعودية

تفاسير متشددة

وفي كتاب "القرآن الكريم وتفسيره" للصف الثالث المتوسط (كتاب الطالب/الفصل الأول)، نقرأ تفسيرات متشدّدة لبعض الآيات القرآنية. فعلى سبيل المثال في تفسير الآية 29 من سورة الكهف التي جاء فيها "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" يرد التفسير التالي "هذا أمر تهديد ووعيد، لا أمر تخيير".

من كتاب يُدرّس في مدارس المملكة العربية السعودية

ويُذكر أن كل الباحثين في قضية حقوق الإنسان في الإسلام يستشهدون بهذه الآية للقول إن القرآن أعطى للإنسان حرية الفكر والعقيدة.

وفي تعليقه عليها، يقول إسماعيل عبد الرحمن، أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر، إنّها دليل على أن "الإسلام أعطى للإنسان حرية الاختيار في أعظم الأمور وأخطرها في حياته وهو اختيار الدين واعتناقه"، مضيفاً أنها "تؤصّل لحرية العقيدة وحرمة الإكراه على اعتناق الدين".

الجهاد

"يسعى أعداء الإسلام إلى تشويه صورة الجهاد والمجاهدين في سبيل الله، بالتعاون مع زملائك اقترح أساليب للرد عليهم، وتوضيح النظرة الصحيحة للجهاد". هذا التمرين يأتي في "كتاب النشاط" لمادة الفقه التي تُدرَّس لطلاب الصف الثالث المتوسط، في الفصل الدراسي الثاني. وهذا الكتاب الذي وضعه "فريق من المتخصصين" والصادر عن وزارة التربية والتعليم في السعودية ليس قديماً، فالنص مأخوذ من طبعة عام 2013.

من كتاب يُدرّس في مدارس المملكة العربية السعودية

التمرين المذكور هو من كتاب التمرينات المرتبط بكتاب الفقه. فماذا يُدرّس الطالب في هذا الكتاب؟

تبدأ الوحدة الثامنة من هذا الكتاب، وهي بعنوان "الجهاد"، بالقصة التالية:

من كتاب يُدرّس في مدارس المملكة العربية السعودية

وخلال شرح الجهاد للطلاب نقرأ الفقرات التالية:

ـ "الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وهو من أفضل العبادات، قال الإمام أحمد رحمه الله: لا أعلم شيئاً من العمل بعد الفرائض يعدل الجهاد في سبيل الله".

ـ "للجهاد في سبيل الله عدة حكم ومن أهمها: 1، أن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، وأن لا يُعبد إلا الله وحده؛ 2، حماية المسلمين من شر الكفار وعدوانهم؛ 3، الفوز بمرضاة الله، وجنته، ونيل الشهادة والنجاة من عذاب الله وسخطه".

ـ "إخلاص النية لله، بأن يكون المقصود من الجهاد نصرة الدين، ونيل الشهادة، لا السمعة والشرف".

ضوابط للجهاد

لكن الجهاد كما يُدرّس للطلاب في السعودية يختلف عن الجهاد كما تعرّفه التنظيمات الإرهابية. ويعلّم الكتاب نقد مفهوم الجهاديين من خلال الأفكار التالية:

ـ الجهاد هو "وسيلة من وسائل نشر دين الله، فإن حصل ذلك بغيره فلا يُلجأ إليه".

ـ يشترط موافقة الأهل على الجهاد:"إذن الوالدين المسلمين، فليس له الخروج بدون إذنهما".

ـ "أن يكون ذكراً فلا يجب الجهاد على المرأة".

ـ "عرض الدعوة على الناس قبل قتالهم ولا يجوز قتالهم قبل تبليغهم الدعوة".

وقد يكون الأخطر في ما يتم تعليمه عن الجهاد أنه يصبح واجباً إذا "وقف غير المسلمين في وجه الدعوة إلى الله تعالى وآذوا الدعاة"، ما يعني أنهم يعطون للمسلم الحق بالتبشير بدينه أينما كان في العالم دون أن يحق لأحد الوقوف في وجهه، بينما هذا الحق غير متاح للمؤمنين بديانات غير الإسلام.

وفي نهاية العام الماضي، صدر قرار بتعيين الدكتور أحمد العيسى وزيراً للتعليم في السعودية. والعيسى معروف بأنه يحمل وجهة نظر إصلاحية لقطاع التعليم في المملكة. وكان قد أصدر كتباً في هذا المجال، ولذلك أثار قرار تعيينه غضب المحافظين.

وفي مقابلة له، أشار الوزير الجديد إلى ضرورة تطوير المناهج، لكنّه لم يقدّم تفاصيل، وحتى الآن لم يبدر عنه أي مشروع إصلاحي.

الصورة: طلاب في مدرسة سعودية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.