بقلم علي عبد الأمير:

توفّر مراجعة إحصائية وتحليلية للعمليات الإرهابية الأكثر وحشية في العراق ما بعد العام 2003، مؤشرات على غالبية تونسية بين منفذي تلك العمليات التي عمدت إلى إيقاع أكبر قدر من الضحايا المدنيين. وهو ما يدفع إلى مراجعة حاضنة ثقافية وتربوية تخرّج أولئك الإنتحاريين والإرهابيين.

هذا ما لاحظته السلطات target="_blank">التونسية مؤخراً، حين شرعت وزارة المرأة والأسرة والطفولة في تونس بإجراءات غلق مؤسسات لتعليم الأطفال قبل المرحلة الابتدائية أو ما يعرف برياض الأطفال تتهمها الوزارة بتقديم برامج تعليم تشجع على العنف والتشدد الديني.

ويقول المندوب العام لحماية الطفولة في وزارة المرأة والأسرة بتونس، مهيار حمادي، إنّ "مؤسسات الطفولة المبكرة تخضع لمراقبة تربوية من قبل وزارة المرأة، وهي بالتالي تراقب أي توجهات معينة ذات صيغة دينية أو برامج محددة لنمو الأطفال، سواء كانت حركية وعقلية".

ويؤكّد في اتصال مع موقع (إرفع صوتك) أنّ "أي برامج لا تخضع للشروط التربوية هي خارجة عن النطاق العادي".

ويوضح المسؤول التونسي أنّ "كلّ ما يتعلق بالتشدد والأفكار الهدامة يتعارض مع مجالات حماية الطفل ويتعارض مع الحقوق الدولية للطفل، وهو ما يحتم علينا التصدي القانوني والدستوري لذلك النهج المحرض على العنف والكراهية".

ويلتقي حمادي في قوله إنّ "المؤسسات التربوية في مرحلة الطفولة المبكرة ليس في تونس وحسب، بل في العالم كله، يجب أن تكون مروجة لمفاهيم التسامح والاعتدال وأن يكون الطفل محبا للآخر ومنفتحاً على المجتمع"، مع ما يشدّد عليه التربوي والكاتب العراقي صالح الحمداني، الذي يحذر من نهجٍ تربوي في رياض الأطفال بمدينته كربلاء، قائمٍ على إشاعة العنف ووسائله وتقاليده وأفكاره، وضمن ثقافة المدينة المحلية والمحافظة، القائمة على إحياء "واقعة الطف" الخاصة بمقتل حفيد النبي محمد، الإمام الحسين وأخيه العباس وعائلته وأنصاره من قبل جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية قبل نحو 1400 سنة.

in karbalaa

مشهد من فيديو لروضة أطفال عراقية

وعن التأثير الذي يتركه تجسيد عمليات القتل من قبل الأطفال، يقول الحمداني في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ "ذلك بما فيه استخدام السيوف والضرب بها على أجساد الآخرين، يؤدي إلى إشاعة العنف، واعتباره أمراً طبيعياً"، مستدركاً "إذا كنا متفائلين، وافترضنا أنّ هذا الجيل لن يكرر ما مارسه في سن الطفولة، فإنّه على الأغلب سيكون متشنجاً وينظر إلى الطائفة الأخرى بريبة وخوف".

معلوم أنّ عدداً من رياض الأطفال الأهلية في كربلاء تبث target="_blank">فيديوات تظهر الأطفال وهم يجسدون بملابس القتال ومعداته، تفاصيل من عمليات القتل والسبي الذي تعرض إليه الإمام الحسين وأهله.

ويفرق الحمداني، الذي يقرّ أنّ هذه الممارسات "التربوية" جاءت بعد العام 2003 وسيادة نمط ثقافي ديني طائفي على الأغلب، بين رياض الأطفال الحكومية والأخرى الأهلية (التابعة للقطاع الخاص)، في إشارة إلى أنّ الأولى قد تتردد في إدخال مثل هذه المشاهد في فصولها التعليمية.

ويقول "رياض الأطفال الحكومية بائسة، بينما رياض الأطفال الجيدة، هي التابعة للقطاع الخاص، وأبرز مؤسساته هي مراكز دينية تعتبر الترويج بين الأطفال لتلك الثقافات التاريخية بكل ما فيها من عنف وكراهية، أمراً طبيعياً ومحموداً".

ويضيف "لا غرابة في ذلك، فالقائمون على رياض الأطفال وأغلب المؤسسات التربوية هم من أبناء المدينة. وثقافتهم لا يمكن لها الخروج على التقاليد السائدة، فضلاً عن محدودية معارفهم الشخصية، بل إن حتى المعلمات والمعلمين تحصّلوا على معارفهم من كليات المحافظة ذاتها، وما يبدو تحريضاً على العنف والكراهية من خارجها، قد لا يبدو كذلك لأبنائها".

*الصورة (1): طفل ووالدته في العراق/shutterstock

*الصورة (2): مشهد من فيديو لروضة أطفال تونسية

*الصورة (3): مشهد من فيديو لروضة أطفال عراقية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".