بقلم حسن عبّاس:
تعمل مؤسسة "أديان"، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء اللبنانيين على تطبيق ما تسمّيه "التربية على المواطنة الحاضنة للتنوّع الديني" على المناهج الدراسية.
فلسفة المشروع
أطلقت "أديان" هذا المشروع بعد ملاحظتها أن الكتب المدرسية في لبنان لا تتلاءم لا مع طبيعة المجتمع اللبناني المتنوّع ولا مع طبيعة العالم الحديث.
وقال رئيس مؤسسة "أديان"، البروفيسور فادي ضو، لموقع (إرفع صوتك) إن الخلل في الكتب المدرسية يمكن تلخيصه بأنّها "تنكر الواقع التعدّدي في المجتمع اللبناني من خلال سعيها إلى إحداث انصهار بمعنى إرادة أن يذوب الجميع في بوتقة واحدة دون إعطاء أهمية للتنوّع. فنرى مثلاً أن أسماء الشخصيات الواردة في الدروس كلها أسماء لادينية، ونرى أن الأعياد المذكورة في الكتب كلها أعياد مدنية كعيد الشجرة".
وتابع أن "المنهج الحالي ينطلق من مفهوم التسامح وهو مفهوم يحمل في بعض الأحيان بعداً فوقيّاً من قبل الذي يتسامح مع الآخرين، بينما يجب الانطلاق من مفهوم الشراكة".
وأشار إلى أنّه "يجب تعليم التلامذة عدم الخوف وتسمية الأمور بمسمياتها واحترام التراث الخاص بكل الجماعات. كما يجب تعليمهم جرأة الاعتراف بالظروف الصعبة وبمحطات صراعية بين الجماعات. وهذا بهدف منحهم وسائل لوعي عقلاني يساعدهم على التعامل بعقلانية مع الأمور".
وُضعت المناهج اللبنانية المعتمدة حالياً عام 1997. لذلك، لا تنسجم مع مفهوم المواطنة العالمية و"تأتي مع نفحة قومية يدلّ عليها اسم كتاب التربية الوطنية والتنشئة المدنية"، كما يلاحظ ضو ويعلّق "نحن مع الحفاظ على أهمية الانتماء إلى الوطن، لكن ينبغي تعريف الطلاب بالبعد العالمي لمفهوم المواطنة وما يتضمنه من تعريف بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتنوّع والمساواة بين الجنسين وغيرها من القيم".
كتب مدرسية جديدة قريباً
المشروع المدعوم من السفارة البريطانية في بيروت انطلق منذ أربع سنوات. وفي البداية وُضعت "الشرعة الوطنيّة للتربية على العيش معاً" بالمشاركة مع القطاعين التربويّين العام والخاص وهيئات المجتمع المدني المعنيّة بالموضوع.
وتنص الشرعة التي وُقّعت في 15 آذار/مارس 2013 على أن "المواطنة الحاضنة للتنوّع الدينيّ في لبنان تتحقّق بالتحرّر من خطرَي الانصهار والطائفيّة".
بعد ذلك، أُطلق المنهج الرديف للتربية على المواطنة الحاضنة للتنوّع الديني في 14 نيسان/أبريل 2014 بتعميم وزاري رقم 8 لعام 2014.
وقالت منسقة المشروع من طرف مؤسسة "أديان" فانيسا بريدي لموقع (إرفع صوتك) إن "المنهج الرديف يوضح ما يجب أن تتضمنه الكتب المدرسية من أهداف ويحدد ما يُراد للطالب أن يكتسبه وكيف يُراد له أن يفكّر". وأهمية هذا المنهج هو أنّه يجب أخذه بعين الاعتبار عند تعديل الكتب المدرسية.
والسبت الماضي، في 13 شباط/فبراير 2016، اجتمع 30 خبيراً تربوياً، وأطلقوا المرحلة التنفيذيّة لتطوير منهجي مادتي التربية الوطنية والتنشئة المدنية والفلسفة والحضارات.
وأوضحت بريدي أنّ "العمل حالياً يدور حول تحديد كيف ستتم مقاربة المناهج والاتفاق على "المناهج الخاصة"، أي على تطبيق "المنهج الرديف" على كل مادة من المواد بحسب طبيعتها. فمثلاً، في الفلسفة يمكن الاتفاق على تنمية الفكر العقلاني الناقد لأن هذا يصب في التربية على المواطنة الحاضنة للتنوّع".
وتوقعت بريدي أن يُتفق على المنهج الخاص بمادة الفلسفة والحضارات في نيسان/أبريل القادم وأن يوضع كتاب قبل بداية العام الدراسي القادم وأن يُختبر في مجموعة مدارس تختارها وزارة التربية في مختلف المناطق اللبنانية.
شراكة ضد التطرّف
تنوّه رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء، الدكتورة ندى عويجان بأهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وترى أن "مفهوم الشراكة أساسي في عملية تطوير المناهج التربوية الوطنية، ومن خلال هذا التنوّع في الشراكة سنستطيع تلبية حاجات القطاع التربوي في لبنان وإيصال هذه المناهج إلى الجميع".
وشرحت بريدي طبيعة عمل "أديان" بقولها إنّ "المؤسسة قبل بلورة أيّ طرح تلتقي بالمعنيين وتحاول الخروج بمشروع ينال توافق الجميع، وهذا يأتي بعد نقاشات واسعة".
من جانب آخر، تعمل "أديان" مع المؤسسات الدينية الرسمية التي يقع على عاتقها انتخاب الأساتذة الذين يدرّسون الثقافة الدينية على تطوير أدلّة مشتركة للتربية الدينيّة على قيم المواطنة والحياة العامة.
وقال البروفيسور فادي ضو "اعتبرنا أن الإصلاح التربوي على المستوى الوطني يجب أن يتماشى مع تطوير التربية الدينية لكي لا يحدث تعارض بين القيم التي تُدرّس هنا وهنالك".
وتابع أنه "شُكّلت لجنة مشتركة مع المؤسسات الدينية الرسمية وجرى الاتفاق على فهم مشترك إسلامي-مسيحي للمواطنة وتم تحديد تسع قيم مشتركة بين أبناء الديانتين وتأليف دروس تنمّي هذه القيم".
وأشار ضو إلى أن المفهوم الذي صاغته "أديان" بدأ ينتشر عربياً "فقد صدر كتاب عن مؤسسة مسارات في العراق يتبنّاه، ولدينا شراكة مع جامعة الكوفة التي تضمّ كلية تربية تخرّج مدرّسين".
ويؤكد ضو أن "التربية هي المنقذ من الانزلاق الحاصل في منطقتنا نحو التطرّف والعنف والتشنّج الطائفي والمذهبي". وبرأيه، "يربّي مفهوم المواطنة الحاضنة للتنوّع الأجيال الجديدة على اعتبار التنوّع أمراً إيجابياً وهذا يساعد على إلغاء الأفكار التي ترفض الآخر وتكفّره".
*الصورة: طلاب لبنانيون في أول يوم دراسي لهم في بيروت/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659