بقلم علي قيس:
يجمع أخصائيون وباحثون عرب على أنّ الطفل أصبح هدفاً للإعلام المحرض على العنف والذي بات واضحاً في رسائل قنوات تلفزيونية دينية، وحتى في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، محذرين من مضمون الرسائل التي تحملها برامج بعض تلك القنوات.
وأكّد أستاذ علم النفس في جامعة بغداد الدكتور علي طاهر أن الدين منهل مهم لثقافة المجتمع، لكن يجب أن تخضع الرسالة الموجهة إلى الطفل لجملة محددات.
وقال لموقع (إرفع صوتك) إنّ "الدين من أهم عناصر الثقافة في أي مجتمع، لأنه يعلم الالتزام والقداسة والتسامح. لكن في وضعنا الحالي، يجب ألّا تتجاوز المعرفة الدينية استحقاقات الحياة العصرية، وهي التنوع والتعدد والقبول بالآخر المختلف دينياً ومذهبياً وقومياً".
وأضاف طاهر أن "صعوبة الأمر عائدة إلى أن الإعلام بات مفتوحاً ولا يمكن تحديد الرسائل التي تبثها الوسائل الإعلامية، وأنّ طيفاً واسعاً من تلك القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي يبث رسائل خطيرة جداً ويرفض قبول الآخر ولا يؤمن بالتنوع. وذلك يضيف صعوبة أخرى إلى المجتمع الواعي الذي يحاول مغادرة ثقافة التطرف".
مسؤولية الأسرة
يشار إلى أنه في العقدين الأخيرين، ظهرت عشرات القنوات الفضائية التي تختص ببرامج الأطفال، وتتنوع في بثها بين أفلام الكارتون وبرامج المسابقات. إلا إن الأغلب منها يختص بالأناشيد وبرامج مختلفة متهمة بالحض على التشدد الديني.
بعض البرامج احتوت على مقاطع يحمل فيها الأطفال السلاح على من يصفهم المشهد بـ"العدو" وهو من الأطفال أيضاً.
فضلاً عن برامج تقول أنها تهدف إلى تعليم مبادئ الدين وتشدد على أداء العبادات بطريقة معينة، لكنها تعلم الطفل أن من يخالف هذه الطريقة يخرج من الدين.
ويحمّل أستاذ علم النفسِ الأسرةَ مسؤولية حماية الطفل من تلك الرسائل، موضحاً "بات الطفل يحصل على الثقافة من عدة وسائل منها التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى البيئة المحيطة به والمدرسة. وبما أن جميع تلك المناهل تشارك الأسرة في تربية الطفل، لذا باتت المسؤولية الكبرى على الوالدين في مراقبة الطفل ومتابعة توجهاته الدينية، بما لا تتعارض مع استحقاقات الحياة".
عقل الطفل كالإناء الفارغ
أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد، الدكتورة فوزية العطية، حذرت بدورها من بعض تلك البرامج. وقالت لموقع (إرفع صوتك) إنّ "الثقافة الدينية فقدت جوهر الدين، وبدأت تأخذ الإطار العام له. وهناك تشويه باسم الدين تحاول تلك القنوات من خلاله تخدير الطفل وغسل دماغه. وفي الوقت الحاضر، يجب أن ترتبط الثقافة الدينية بالثقافة المجتمعية، وتبتعد عن التفرقة بين الديانات والمذاهب".
وشددت العطية على خطر الرسائل التي تبث عبر بعض القنوات الموجهة للطفل بقولها "في هذا النوع من الإعلام، يكون دور الطفل هو المتلقي فقط لأنها لا تحاور ولا تحتوي على أحاديث ونقاشات للرأي والرأي الآخر. وبما أن عقل الطفل كالإناء الفارغ، لذلك يتم ترسيخ أفكار العنف والتطرف بشكل كبير فيه، وخطر هذا الموضوع يلقي بظلاله على المجتمع اليوم وفي المستقبل".
دور المؤسسة التربوية
وتابعت أستاذة علم النفس أن "المؤسسة التربوية وخصوصاً في مرحلتي الابتدائية ورياض الأطفال، يجب أن توفر ما يحتاجه الطفل في هذا العمر من ثقافات. وللأسف ليس هناك في الوقت الحاضر أي نشاطات مدرسية تؤدي إلى تثقيف الطفل".
وحمّلت في الوقت نفسه الأسرة مسؤولية غياب دور المؤسسات التربوية في بناء الثقافة للأطفال، موضحة "بسبب الظروف التي تمر بها المؤسسة التربوية فإن المسؤولية تقع على عاتق الأسرة، لكن ذلك لا يعني إخلاء مسؤولية الدولة التي يجب عليها إعادة النظر بالمناهج التعليمية، والتخفيف من الحصص التي تقتصر على الكتابة والقراءة فقط".
وتخلو الحصص الدراسية التي يتلقاها التلاميذ في المراحل الابتدائية والطلبة في المراحل الثانوية في العراق، من المواد الثقافية، كدروس الرسم والنشيد والموسيقى، وحتى الرياضة.
التدين الهش؟
وفي حديث للطبيب النفسي المصري قدري حنفي، وصف فيه الرسائل التي تحملها تلك القنوات بالهشة. وقال لموقع (إرفع صوتك) "من خلال متابعتي لما تمكنت من مشاهدته من تلك القنوات، التقطت أنها تركز على تدعيم القيم الدينية المتشددة، وهو ما يخلق نوعا من التدين الهش، وكأن تلك القنوات تخشى من انهيار الدين. لو كانت مطمئنة، لركزت على قبول الآخر".
وأضاف حنفي "عندما تتوجه تلك القنوات لتربية الطفل دينياً، فإن هذا أمر جيد، لكن الدين واسع، وفي مضمونه دعوة إلى التسامح وقبول الآخر. لذلك ينبغي أن تراعي العصر الذي نعيش فيه تنوعاً دينياً، وتركز على قيم التسامح".
رأس المال العربي أحد الحلول
رئيسة تحرير صحيفة "الغد" الأردنية جمانة الغنيمات أكّدت بدورها أن خلل الرسائل الموجهة إلى الطفل لا يقتصر على القنوات الدينية. وأضافت في حديثها لموقع (إرفع صوتك) أنّ"غالبية قنوات الأطفال لا تراعي كيف تنشئ الطفل بعقلية واسعة تبحث عن الحقيقة، وتسعى للابتكار والتطوير. ما يحصل حالياً هو تحشية هذه الرؤوس الصغيرة وللأسف بأفكار لا تساعد على خلق جيل جديد مفكر وواعي".
واقترحت غنيمات إنشاء قنوات جديدة، تكون منافسة في تقديم العلوم للطفل، موضحة ذلك بقولها "المطلوب أن يتغير هذا الخطاب إلى آخر يؤسس لجيل لديه القدرة على الإبداع وتغيير واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وذلك ممكن لو قام رأس المال العربي بتوفير قنوات بديلة للأطفال".
*الصورة: طفلة تبعث رسائل نصية/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659