بقلم خالد الغالي:

وجد التعليم المصري نفسه تحت الأضواء بقوة خلال السنتين الأخيرتين. ووجهت له اتهامات كثيرة بأنّه لا يخلو من مضامين تدعو إلى التطرف والإرهاب. طالت الاتهامات أساساً مناهج مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية في المدارس الحكومية، والتعليم الديني في المعاهد التابعة لجامع الأزهر.

صلاح الدين وعقبة

لم يتأخر رد الحكومة المصرية. وأعلن وزير التربية والتعليم الأسبق، محمود أبو النصر، في شباط/فبراير 2015، تشكيل لجنة لمراجعة مناهج التربية الدينية في كافة المراحل التعليمية.

وبعد شهر، أعلنت الوزارة حذف عدد من الدروس. طال الحذف درساً في مادة اللغة العربية عن القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي للصف الخامس الابتدائي، وستة فصول من قصة عقبة بن نافع للصف الأول الإعدادي، ودرساً بعنوان "نهاية الصقور" للصف الثالث الابتدائي.

قالت الوزارة يومها في بيان لها إن الحذف جاء "بهدف تنقيحها (المقررات) من الموضوعات التي يمكن أن تحث على العنف أو التطرف، أو تشير إلى أي توجهات سياسية أو دينية أو أي مفاهيم يمكن أن تستغل بشكل سيء".

يتحدث درس صلاح الدين عن "تخليص البلاد العربية من خطر هؤلاء الأعداء الصليبيين" على يد القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي، فيما تتحدث قصة عقبة بن نافع عن "الجهاد" و"الغزو" و"فتح" شمال إفريقيا.

تلقت الوزارة سيلاً من المدح من قبل مؤيدي الخطوة، في حين هاجمها معارضوها بشدة.

أما درس "نهاية الصقور"، فأثار جدلاً واسعاً بعد أن رأى مصريون أنّه يعكس فكر تنظيم داعش، حيث تقوم العصافير في نهاية القصة بإضرام النار في أعدائها من الصقور.

وهذه هي الدروس التي حذفتها وزارة التربية والتعليم المصرية العام الماضي:

[gallery size="medium" ids="11427,11428,11429"]

خطوات غير كافية

رغم التعديلات، هناك من يعتبر أن الأمر غير كاف. يقول الباحث في المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، كمال مغيث لـ(إرفع صوتك) "ما حصل مجرد استجابة وقتية. فحذف درس صلاح الدين أو عقبة بن نافع معالجة مؤقتة حصلت نتيجة الضغط".

ويتابع الخبير التربوي "مع كل هجوم على المناهج الدراسية، يعلن وزير التعليم عن لجنة لتطوير المناهج. تعاقب، في أقل من سنة ونصف، ثلاثة وزراء تعليم، وهو ما يؤدي إلى تعثر عمل لجان التطوير. لو أن هذه اللجان قامت فعلاً بعمل حقيقي، لرأيناه بين يدي الرئيس السيسي. أنا مهتم بالشأن التعليمي منذ مدة، ولم أرَ أية نتيجة لحد الساعة، ولم يصل إلى علمي أن هناك توصيات جزئية أو عامة صدرت".

حاول موقع (إرفع صوتك) الاتصال بالمتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم بشير حسن الذي طلب الاتصال به في وقت لاحق، من دون أن يرد بعد معاودة الاتصال به.

وبالموازاة مع إصلاح المناهج، أعلنت الوزارة عن استراتيجية "للأمن الفكري" لمحاربة التشدد، عبر تأسيس نوادي "للأمن الفكري" في المدارس. إلا أن منتقدي الخطة  يعتبرون أن هدفها الحقيقي هو تحويل التلاميذ إلى "مخبرين".

يقول كمال مغيث "تم وضع الخطة بتوصية من الأمن لمواجهة الإخوان. فجرى الإعلان عن تكوين نوادي للأمن الفكري. وهو ما يعني، في الواقع، تشغيل أبنائنا كمخبرين".

ما حظ الأزهر من الإصلاح؟

عندما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مستهل سنة 2015، إلى القيام بـ"ثورة دينية"، أعلن الأزهر استجابته للدعوة، وأوضح أنه عاكف على تطوير مناهجه.

في الواقع، أسّس الأزهر، منذ 2013، لجنة لإصلاح التعليم قبل الجامعي، ترأسها وكيله عباس شومان. وكلفت بمهمة صياغة مناهج جديدة توضع في متناول الطلاب مع بداية العام الدراسي 2015/2016.

شملت الإصلاحات تبسيط المناهج الدراسية، ودمج فروع العلم الواحد في مقرر واحد، وحذف عدد من المواضيع، كالرق وجواز أكل لحم الكافر وقتل الأسرى وتحريم بناء الكنائس في أرض الإسلام.

وتضمنت الإصلاحات أيضاً نقل موضوع الجهاد من المرحلة الإعدادية إلى المرحلة الثانوية، في مقابل إدماج مواضيع جديدة كالإرهاب والإلحاد، وتحديث مفاهيم الدولة، والمواطنة، ونظم الحكم، وفق ما يوضحه بيان للأزهر.

وطيلة الفترة الأخيرة، شن معارضون للأزهر حملة قوية ضده، وصلت إلى حد المطالبة بتصنيفه منظمة إرهابية. وهي الدعوة التي أطلقها المفكر المصري سيد القمني، ورد عليها الأزهر بدعوى قضائية ضده.

ويحتج معارضو الأزهر، في اتهاماتهم له بدعم التطرف، بعدد من الكتب الفقهية التي يتم تدريسها في المعاهد الأزهرية، كـ"الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع"، و"الروض المربع بشرح زاد المستقنع"، و"الاختيار لتعليل المختار".

يرفض الأزهر هذه الاتهامات. يقول المتحدث الرسمي باسم جامعة الأزهر أحمد زارع، في تصريح لموقع (إرفع صوتك) "نحن نركز على فقه الواقع. أما الكتب التراثية فمرتبطة بعصرها. وطلابنا يقرؤونها من أجل المعرفة، وفهم مسار تطور الفقه، وليس للتطبيق، بل إن كثيراً من فصولها لا يدرس أصلا".

في المقابل، ارتفعت أصوات من داخل الأزهر تنتقد الإصلاح الذي قاده شيخه أحمد الطيب. يقول أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، الشيخ أحمد كريمة، لموقع (إرفع صوتك)"ما قام به الأزهر مجرد جمع أربع مقررات (الحديث والتفسير والسيرة والتوحيد) في مقرر واحد هو مادة أصول الدين. المقرر الجديد عبارة عن هوامش سطحية. إذا تخرج الطالب الأزهري، لن يصمد أمام صاحب فكر متطرف".

ويطالب الشيخ كريمة بتدريس النصوص التراثية شريطة مناقشتها والتعليق عليها. يقول "ليس من الواقع أن ينتقل الطالب من النصوص التراثية إلى مجرد مختصرات. الطالب الذي تخرج دون أن يقرأ التراث ويناقشه، سيكون هشاً فكرياً".

ويتابع "من ينتقد الأزهر يجره إلى التحقيق القانوني داخل الجامعة، وهو ما يجري معي حالياً".

في المقابل، يرد المتحدث باسم الأزهر، أحمد زارع "نحن لا نهرب من التراث. هناك عشرات الرسائل والأطروحات عبارة عن تحقيقات. تتضمن التعليق على هذه الكتب وتفنيدها وردها إلى سياقها الطبيعي".

* الصورة: يقود شيخ الأزهر أحمد الطيب، منذ تعيينه قبل 6 سنوات، حملة لإصلاح المناهج الدراسية، تتلقى العديد من الانتقادات/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.