الأردن – بقلم صالح قشطة:

تعتبر مرحلة الطفولة من أدق المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان وأكثرها حساسية، إن لم تكن الأكثر خطورة على الإطلاق في حياته لما تشكله من أساس لتطوره وتشكيل ملامح وتفاصيل شخصيته المستقبلية. وتُؤسَّس في هذه المرحلة وتُزرع مختلف القيم والمفاهيم التي على ضوئها يكون الحصاد، إما نموذج صالح معتدل ذو شخصية سوية مُتزنة، أو نموذج غير سوي، مُختل القيم، متناقض الأفكار ومتطرف السلوك.

وبحسب آراء الخبراء، كانت وما زالت الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال التلفزيونية في مقدمة العناصر الجاذبة للطفل، والتي تعتبر الأكثر تأثيراً في عقله ونفسه وحواسه. حتّى أنّ صانعيها باتوا يستغلونها كمدخل يوُصِلون من خلاله للطفل كافة الرسائل والأفكار والمفاهيم لتعزيزها داخله، فتتأصل به وتطغى على شخصيته وقناعاته وهو ما يصعب تغييره أو نزعه منه مستقبلاً.

بات يتصرّف بطريقة غير مقبولة..

يصف يزن الأسود، وهو شاب يحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، شقيقه الأصغر بأنّه "بات يتصرف بطريقة غير مقبولة وما يشاهده من رسوم متحركة صنعت منه طفلاً يميل بتصرفاته نحو العنف".

وقال لموقع (إرفع صوتك) "مجرّد متابعته لبعض الشخصيات الكرتونية حوّلته لطفل يغلب الاستهتار وعدم المبالاة على طبعه".

تأثير طويل الأمد

أمّا نذير الخوالدة، وهو ممثل دوبلاج ومتخصص في برامج الأطفال وكاتب سيناريو للعديد من الأعمال الجديدة المعاصرة مثل "الأمير الصغير" ومجسد شخصية الدمية "غرغور" في مسلسل سمسم، فهو يرى أن "برامج الطفل لا تتوقف فقط عند الساعة التي يقضيها كمتلق أمام الشاشة، بل تمتدّ على مدى طويل الأمد وقد تدفعه ليمارس ما يشاهده ويقلده".

وشرح أنّ برامج الحروب والصراعات والنزاعات التي تبرّر إيذاء الآخر كونه عدو تجعل لدى هذا الطفل استعداداً لحل المشاكل التي تواجهه بالعنف وإيذاء الآخرين وتزوّده بشعور بأنه أفضل منهم.

وأضاف "التأثير لا ينتج فقط عن مسار القصة أو المادة المقدّمة، بل المحتوى المكتوب أيضاً. لذلك يجب البحث في كيفية زيادة مخزون المفردات الإيجابية في ذاكرة الطفل، والتي تعبر عن رسالة العمل الفني الأساسية".

ويعطي الخوالدة مثالاً سماعه في أحد برامج الأطفال عبارة (أنت تتصرف بغباء)، موضحاً "هذه الجملة فيها جرعة من الإهانة والسلبية. وكان على المؤدي الصوتي للشخصية أن يعالجها بطريقة أخرى كأن يقول: هل أنت متأكد مما تفعله؟".

تعزيز قيم الإنسانية

من جهتها، شدّدت الممثلة سناء مفلح التي شاركت في العديد من أعمال الأطفال المطبوعة في الذاكرة مثل "نصف بطل" و"كاليميرو" و"قرية التوت"، على ضرورة "انتقاء المفردات المناسبة الموجهة للطفل"، مشدّدة على أهمية معالجة النصوص التي تستهدف الطفل بعناية ودقة.

وتحدّثت مفلح لموقع (إرفع صوتك) عن الأعمال الكرتونية القديمة التي وصفتها بأنّها "كانت مختلفة عن الأعمال الحالية، فقد كانت تميل نحو الطابع الاجتماعي، وتعزز حب الخير والقيم الإنسانية والتعاون مع الغير في داخل الطفل".

 ورأت مفلح  أن بعض الأعمال الحالية "تحتوي الضرب والعنف والقتل والدموية. كل هذا سوف يجعل الطفل ينقل ما يراه إلى بيته، مدرسته ومجتمعه".

من جهتها، أبدت الإعلامية والممثلة هالة عودة المتخصّصة بعالم الكرتون ملاحظاتها حول البرامج المقدمة للأطفال، قائلة "أصبح العالم يتجه نحو العنف بكافة الوسائل، وهذا لا يقتصر على أعمال الأطفال، بل أصبح العنف جزء رئيسي من أعمال الكبار أيضاً".

وأشارت إلى أنّ التلفزيون هو الوسيلة الأهم لزرع ما نريد من قيم داخل الطفل، قائلة "عندما نريد تقديم معلومة معينة أو تغيير أي فكر لدى المجتمع، تكون الوسيلة الأكثر فعالية هي المسلسلات والأفلام والأعمال التلفزيونية، وهذا ينطبق على الطفل الذي من الممكن أن يكون مثله الأعلى عبارة عن شخصية كارتونية".

ولفتت إلى أن الإنتاج العربي مقصر في هذا الجانب، و"المسؤولية تقع على عاتق المنتجين لتقديم أعمال أكثر ثراءً وأن يصبح المنتج العربي مصدراً لهذه المواد وليس مجرد مستهلك ومدبلج لها".

*الصورة والفيديو للممثلة سناء مفلح إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".