أربيل - بقلم متين أمين:

على الرغم من التجربة التي يمتلكها إقليم كردستان في مجال محاربة الفكر المتطرف والجماعات الإرهابية، إلا أنّ نظامه التربوي ما زال يعاني من ضعف التوعية في مجال محاربة الأفكار الدينية المتشددة. ويؤكد المختصون في هذا المجال على أهمية التوعية المدرسية في الوقت الراهن ودورها في الحد من هذه الأفكار.

جعل مادة الدين اختيارية؟

الناشطة المدنية، نياز عبدالله، تقترح جعل مادة الدين اختيارية للطلبة في مدارس الإقليم كخطوة في مجال محاربة التطرف. وتقول لموقع (إرفع صوتك) "يمكن جعل مادة الدين اختيارية للطلبة في المدارس لحين بلوغهم سن الرابعة عشر أو السادسة عشر حتى يختاروا إن كانوا يريدون دراستها".

وتضيف "يجب كذلك تقوية الدروس الفنية وإظهار الجانب الجميل من الحياة للطالب. أما الخطوة الأخرى التي أرى أنه من الضروري اتخاذها تتمثل في إبعاد مدرسي ومعلمي مادة الدين من المتطرفين واستبدالهم بمدرّسين يحملون أفكار دينية معتدلة".

تأثيرات الأزمة المالية

يتلقى طلاب المرحلة الابتدائية في الإقليم أسبوعياً ثلاثة إلى أربعة دروس من مادة التربية الإسلامية التي تشمل سوراً من القرآن والأحاديث النبوية وتفسيرها، بالإضافة إلى نصائح عامة حول كيفية التصرف مع الآخرين حسب تعاليم الدين الإسلامي.

وكانت حكومة الإقليم قد بادرت في آذار/مارس 2015 إلى تشكيل لجنة لتغيير المناهج الدراسية في المدارس والمعاهد الدينية، ضمن خطة للإصلاح الفكري. ولا يزال العمل بتعديل المناهج القديمة في الإقليم متواصلاً، بعد أن طرأت تغييرات كبيرة على الكثير من المناهج خلال السنوات الماضية وأضيفت مواد جديدة كحقوق الإنسان بالإضافة إلى مادة التربية المدنية.

من جهته، يؤكّد عضو اتحاد معلمي كردستان - فرع أربيل، عبد الرحمن رشيد، على تأثيرات الأزمة المالية على عملية التوعية ومحاربة الفكر المتطرف. ويشير في حديث لموقع (إرفع صوتك) "هاجم الإرهاب بشكل مفاجئ إقليم كردستان، لذا محاربته من الناحية الفكرية تحتاج إلى تخطيط. في الوقت الحالي، الأزمة المالية التي يشهدها الإقليم تؤثر على عملية التخطيط وهذا بحد ذاته عامل أساسي يحول دون اتخاذ اللازم في هذا المجال".

ويضيف رشيد "الجماعات المتطرفة استغلت الدين الإسلامي وعرضته بشكل تَخدعُ من خلاله الأناس البسطاء، لذا علينا أن ندرس هذه المشكلة بشكل عميق ونضع الخطط المناسبة لمعالجتها وإظهار الوجه المتسامح للدين. وفي الوقت ذاته، يجب أن يحمل التدريسيون الثقافة الكاملة التي تؤهلهم لتوعية الطلبة دون الحاجة إلى مناهج خاصة".

عوامل تاريخية

كما يقول الكاتب الكردي آريان إبراهيم شوكت لموقع (إرفع صوتك) إنّ "النظام التربوي والتعليمي في الإقليم يوعي الطلبة في مجال محاربة الإرهاب والتطرف بشكل جيد، لكن لا أستطيع أن أقول إنّه ممتاز بنسبة 100 في المئة، وقد يكون عدم بلوغ هذه النسبة بسبب مجموعة من العوامل التاريخية التي لسنا مسؤولين عنها نحن في الإقليم".

ماذا يقول ذوو الطلبة؟

من جهة أخرى، يرى ذوو الطلبة في إقليم كردستان أنّ المناهج التعليمية في مرحلة الدراسة الأساسية والنظام التربوي القديم في مدارس الإقليم يشكلون بيئة ملائمة لنشوء الأفكار المتطرفة وتغذيتها مستقبلاً، مشدّدين على حاجة النظام التربوي في كردستان إلى إصلاحات جذرية تعتمد على الطرق العلمية الحديثة في كافة المجالات.

قال المواطن أحمد حازم، 25 عاماً وهو يعمل شرطياً للمرور، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "ينبغي على وزارات التربية والتعليم العالي ووزارة الثقافة بذل مجهود أكبر للنهضة بشباب كردستان، لأّن المجتمع الكردستاني مجتمع بسيط لطالما تعرض للاضطهاد على مدى التاريخ، ومن الصعب جداً أن ينهض لوحده".

بحسب أحمد، يمكن للمؤسسات التي ذكرها وضع حلول سريعة وجريئة للتقدم بالمستوى الثقافي والإنساني للطلبة وإعطاء المواد الدراسية جميعها نفس المستوى من الأهمية، خاصة مواد الرياضة والفنية والموسيقى والكمبيوتر ودرس التربية المدنية والأسرية والاهتمام بالرحلات الكشفية.

"هناك من يصل إلى عمر الخمسين ولم يزر متحفاً أو مسرحاً في حياته، لذا ينبغي تنظيم هكذا زيارات وكذلك مسابقات علمية للطلبة. وينبغي أن يرافق كل مسجد في كل مدينة وقرية، مركزاً ثقافياً أو مكتبة عامة لكي نحمي أطفالنا من التفكير المتطرف والالتحاق بالجماعات الإرهابية"، يقول أحمد.

نظريات علمية حديثة

أما المواطنة سازكار علي، 35 عاماً وهي موظفة وأم لطاب في الصف الرابع، فتقول لموقع (إرفع صوتك) "النظام التربوي، رغم إجراء بعض التغييرات عليه، ما زال قريباً من النظام التربوي السابق الذي عاصره جيلنا والجيل الذي سبقنا، إذن هو غير ملائم للجيل الجديد".

وتقترح سازكار الاعتماد على النظريات العلمية الحديثة في التعليم والمتابعة في دول العالم المتطورة، "شرط أن تضم دروساً تمنح الطالب حصانة من التعرض إلى فيروس الإرهاب المتفشي في العالم حالياً".

من جهته، أشار ريزان بكر، 40 عاماً وهو صاحب مركز رياضي، في حديثه لموقع (إرفع صوتك) إلى أنّ "بعض الأهالي يعارضون التحاق أولادهم بالمراكز الترفيهية والرياضية ظناً منهم أنها أماكن سيئة، ويفضلون توجيه أبنائهم إلى اللجوء للمساجد فقط أو اللعب في الشوارع بكرة القدم".

ويضيف ريزان "تحصين الأطفال يتم من خلال بناء عقول ذكية وبناء أجسام صحية، وذلك عبر إشراكهم بنوادي رياضية أمينة وتنمية مهارات وهوايات شبابنا. وينبغي على حكومة إقليم كردستان التفكير بالشباب وتطوير مجالات ترفيههم، فالدراسة الجافة وحدها ليست كافية لتحصينهم من الالتحاق بالمجموعات الإرهابية كداعش".

بدوره، يدعو جاودير عثمان، 30 عاماً وهو موظف، حكومة الإقليم إلى متابعة المدارس والعمل على تهيئة بيئة جيّدة للطلاب لكي لا يكونوا فريسة سهلة للجماعات المتطرفة. وقال لموقع (إرفع صوتك) "المناهج الدراسية مكثفة جداً، فالطالب يدرس طوال اليوم في المدرسة ويعود ويدرس من جديد في المنزل في ضوء غياب أساليب الترفيه".

وأشار إلى وجود أساتذة متطرفون يعملون على مضايقة الطلبة بالتشدد الديني وتأنيب الفتيات وفرض ارتداء الحجاب عليهن ومطالبة الشباب بالالتحاق بالمساجد للصلاة وحضور خطبة الجمعة، وهو يوم العطلة الوحيد في الأسبوع. ويتساءل "كيف لا يساهم هذا كله في ولادة جيل ميت لا يفكر ذكوره وإناثه سوى بالتطرف وعدم تقبل الآخر؟".

*الصورة: "تحصين الأطفال يتم من خلال بناء عقول ذكية وبناء أجسام صحية"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".