بقلم علي عبد الأمير:

يرى كتاب وصحافيون عراقيون أنّ العاملين في المكاتب المختصة بنصب أطباق استقبال البث الفضائي في العاصمة بغداد، يمتلكون تصوراً كاملاً عن توجهات الجمهور في متابعة الفضائيات العربية والعراقية، وسط غياب مؤسسات مستقلة معنية بإجراء استفتاءات للتوصل إلى الكثير من الحقائق، ومنها على سبيل المثال معرفة توجهات المشاهدين.

ويعتقد الصحافي والكاتب علاء حسن في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أنّ "الفضائيات الدينية الشيعية والسنية دخلت في صراع دائم لإثبات حقائق يعود تاريخها إلى قبل أكثر من ألف عام، لغرض ترسيخ بعض القناعات في أذهان المشاهدين وتوارثها من جيل إلى جيل".

ويشير إلى أنّ "العودة إلى إثارة الخلاف العقائدي في الوقت الحاضر، وبشكل مستمر، مسعى آخر يصب في صالح تغذية الصراع السياسي القائم في المنطقة بين أقطاب رفعت شعار الهوية المذهبية فصدّقها الأتباع من جمهور الفضائيات".

وإذ قد يكون من حق الأحزاب والقوى السياسية امتلاك وسائل الإعلام الخاصة بها لأغراض الترويج لأهدافها وبرامجها، لكن محاولة تسخير الانتماء المذهبي لتصعيد الصراع السياسي والاجتماعي يجعلها في دائرة الاتهام بإثارة النزعات الطائفية وتهديد السلم الأهلي.

ويقول رئيس (مرصد الحريات الصحافية) زياد العجيلي لموقع (إرفع صوتك) إن "القنوات الفضائية والإذاعات والصحف ووكالات الأنباء، عادة ما تستخدم مصطلحات ومفردات وتعبيرات تتعمد الإثارة من خلال استخدام عبارات محرِّضة على العنف تسيء لأشخاص أو جماعة إثنية أو سياسية، مما يتسبب بنتائج سلبية على المجتمعات العرقية والأحزاب والمجاميع السياسية، ويخلق توترات مجتمعية ويُعدم الثقة بين المكونات العرقية والطائفية".

وهذه حصيلة يشارك فيها الكاتب والصحافي أحمد حميد، قائلاً "ساهمت مختلف القنوات التابعة للقوى الإسلامية الحاكمة في العراق، بترسيخ ثقافة الاستعداء والاحتراب والتمزق، إذ نلاحظ أنّ معظم الإشاعات الخبرية المعادية للطائفة الأخرى، تلقى صدى واسعاً لدى الطائفة الأولى، ويتم البناء عليها كمٰسلمات تكون كفيلة بتعزيز ثقافة الاستعداء المتبادلة بين الطائفتين".

غياب إعلام الدولة

ويربط الكاتب علاء حسن بين صعود الخطاب الإعلامي الطائفي وتراجع إعلام الدولة القادر على تكوين وعي وطني شامل، مشيراً إلى أنّه "في سنوات الاحتقان الطائفي في العراق، تقاسمت الطوائف المناطق بعد بروز ظاهرة التهجير القسري، فأصبحت الأحياء السكنية ذات هوية مذهبية. وفي ضوء هذا الإنقسام رسمت الفضائيات العراقية مساراتها، وحددت جمهورها مسبقاً، فوجهت خطابها لمكون اجتماعي محدّد استقطب جمهوراً واسعاً، وسط انعدام وجود ما يعرف بإعلام الدولة الذي تحول هو الآخر إلى أداة لتغذية النزعة الطائفية في مجتمع يعاني الانقسام، جراء ممارسات شهدتها السنوات الماضية، أبطالها الخارجون عن القانون وعناصر ميلشيات مارست القتل على الهوية بنطاق واسع" .

الإعلام الطائفي يصنع الزعامات السياسية

ويلفت الصحافي أحمد حميد إلى ظاهرة استخدام الدين والإعلام الطائفيين في صناعة الزعامة السياسية، مثل "برامج ظهور علامات (المهدي المنتظر) وإسباغ تلك العلامات على زعامات الإسلام السياسي الشيعي بصفتهم "ممهدون" لإمام الشيعة الغائب والموعود. ونتيجةً لذلك كله، باتت الآراء السياسية لتلك الطائفة ذات أبعاد مقدسة، لأنها ترتبط بالمُسلمات العقائدية، كما تصورها لهم تلك الفضائيات. فيما الطرف (السني) المناوئ لحكم التشيع السياسي بعد العام ٢٠٠٣، يرى في ذلك خرافة وعبث وازدراء الدِّين الحنيف، لذا يحملهُ رد الفعل للجوءِ إلى الفضائيات السنية المتشددة، ليتشرب منها ثقافة الدفاع ضد العقائد الشيعية. ومن هنا تنشب القطيعة المجتمعية المباشرة بين أزقةِ الحي الواحد من شيعة وسنة".

التحريض وصورة المستقبل؟

وفي حين لا تتضمن التغطية الإعلامية بالضرورة دعوة مباشرة للعنف، إلا أنّها تأخذ شكلاً غير مباشر من خلال "المصطلحات الرمزية التي لا تزال تمتلك قوة كامنة خطرة لتأجيج النزاع وتصعيده"، كما يقول العجيلي، الذي يلفت إلى استبيانات كشفت عن "خطاب إعلامي طغى على خارطة البرامج الاخبارية والحوارية والوثائقية في قطاع البث العراقي، يتسم بمحاولة تعميم مفاهيم وصياغات ومفردات تسعى إلى غرس ثقافة تنشئ بموجبها جيل يتناقض على ذاته في تفسير الظواهر الاجتماعية التي تحيط به".

وأبرز هذه المحاولات التي تتعلق بالترويج لثقافة العنف والإرهاب، بحسب العجيلي، تتجسد "من خلال استخدام المفردات والمضامين، بالإضافة إلى استخدام ما يرتبط بالصورة والمواد الفيلمية، التي تبين بشكل واضح خطورة الرسائل الموجهة إلى الجمهور المنقسم أصلاً، ليتجسد التحريض الإعلامي على العنف جلياً في مضمون الخطاب ومن خلال عدة مراحل، منها إيصال المعلومات الخاطئة والمبتورة والمشوهة وتشكيل صورة نمطية عن الآخر والإعداد النفسي للكراهية".

وإذ يحذر العجيلي من أن "الاستخدام المفرط للمصطلحات والمفردات المحرِّضة قد يؤدي بالتالي إلى خلق أزمات مجتمعية تهدد السلم الأهلي وتؤثر على الحياة اليومية للعراقيين"، يرى أنّ الحل ممكن عبر "وسائل الإعلام المستقلة التي تتمتع بقدر من حرية التعبير يمكنها إشاعة روح التسامح والسلام من خلال اعتمادها الآليات المهنية المحترفة للتغطيات الإعلامية".

الصورة: "الاستخدام المفرط للمصطلحات والمفردات المحرِّضة قد يؤدي إلى خلق أزمات مجتمعية"/shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".