بغداد – بقلم ملاك أحمد:

"نهتم بتدريس الأطفال دون سن السادسة المناهج العلمية والتعليمية والفنية والدينية"، بهذه العبارة بدأت إحدى معلمات رياض للأطفال بمنطقة تسكنها غالبية سنية في العاصمة بغداد، عند سؤالها عن المناهج التي توفرها رياض الأطفال غير الحكومية في البلاد.

بعد دقائق، أطلّت زميلتها مبتسمة وسلمتنا المناهج لنطلع عليها ومن بينها كتاب للتربية الإسلامية كانت محتوياته تتماشى مع تعاليم المذهب السني، وتركّز الأحاديث على لسان الصحابي (عمر بن الخطاب). ويظهر فيها المصلي مكتوف اليدين بدل بسطها (على حسب نهج المذهب السنّي).

ذات السيناريو يتكرّر في رياض الأطفال التي تقع في مناطق تسكنها غالبية شيعية، إذ يتبين أن منهاج التربية الإسلامية يتماشى مع تعاليم المذهب الشيعي ويركّز على أحاديث الإمام علي بن أبي طالب.

Prayer 2

Rawdat one

مشاكل طائفية

لا بدّ من الإشارة في هذا السياق أنّ بعض إدارات رياض الأطفال غير الحكومية تعتمد في تدريس التربية الإسلامية على مناهج المدارس الحكومية وتحديداً التابعة لمرحلة الأول ابتدائي.

وتقول مديحة ابراهيم التي تدير إحدى رياض الأطفال غير الحكومية، لموقع (إرفع صوتك) إنّ "اعتمادنا على كتب وزارة التربية يساعد الطفل بعد تخرجه من الروضة على تقبل المناهج الدراسية والتفاعل معها".

إلا أن الإشكال عند ابراهيم يكمن في صعوبة تعليم الصلاة، ذلك أن بعض الأطفال ينتمي للمذهب السني وغيرهم للشيعي، الأمر الذي "يلزمني الاستفسار والسؤال عن مذهب أهل الطفل حتى لا تحدث بيني وبينهم مشاكل طائفية".

مساعدة الأطفال اليتامى

من ضمن رياض الأطفال في العراق رياض مهمّتها تكثيف الدراسة الدينية أو بمعنى أدق - لا تدرّس للأطفال غير المناهج الدينية - والالتحاق بها لا يكلف أولياء الأمور أيّة مبالغ نقدية لأنّها تقدم خدماتها بشكل مجاني، وهي تحظى بمساندة بعض رجال الدين والأحزاب الدينية ودعمهم.

جلّ من تسألهم عن رياض الأطفال المجانية يؤكدون أنّها "لمساعدة الأطفال اليتامى". وتقول نجلاء الموسوي في حديث لموقع (إرفع صوتك) "هذه الروضات تعطي للأطفال دروساً دينية مكثفة وتهتم بإحياء المناسبات الدينية وتفرض الحجاب على الصغيرات".

الموسوي كانت تعمل في مرحلة ما بمنظمة غير حكومية تهتم بالمرأة والطفل وتموّل من حزب ديني – سياسي تتحفظ على ذكر اسمه، لكنّها فضلت عدم الاستمرار بالعمل فيها لأنهم طلبوا من العاملات بالمنظمة والمشرفات على تعليم الأطفال الالتزام بحضورهن إلى المساجد أيّام المناسبات للاستماع للخطب الدينية وأيضاً الندوات الدينية الخاصة بالحزب كي تواصل نشاطها معهم.

مساعدات مالية وكتب دينية

رجاء علي وهي أرملة وأم لأربعة أطفال عاشت تجربة مشابهة. تقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "بعد فقدان زوجي في حادث إرهابي، اتصلت بي ناشطة في منظمة غير حكومية وعرضت عليّ مساعدة أطفالي وتسجيل الذين دون سن السادسة في روضة تشرف عليها المنظمة مجاناً".

وتضيف "عند عودة طفلتي في أول يوم لها بالروضة، كانت ترتدي حجاباً للرأس، مع توصية من المعلمة بالالتزام بارتدائه".

وتشير رجاء إلى أنّ إدارة الروضة، التي فضّلت التحفظ على اسمها، كانت تحرص على استدعاء الأمهات بين الحين والآخر لحضور المناسبات الدينية أو الندوات الدينية التي تعقدها، "وتفرض علينا ارتداء الزي الإسلامي والتواجد أيام الجمعة في مسجد تحدد مكانه مسبقاً لسماع خطبة الشيخ. وكانت توزع علينا بالإضافة إلى المساعدات المالية والغذائية والملابس الكتب الدينية".

تكفير الأديان الأخرى

تقول أنغام زاهر، وهي مسؤولة منظمة السلام لرعاية الطفولة، إنّ جميع النساء العاملات في رياض الأطفال المتّسمة بطابع ديني محجبات ومنقبات "وغالبيتهن لسن متخصصات بتدريس أو تعليم الأطفال، وبعضهن ليس لديهن حتّى شهادة جامعية. وحتى الإناث دون سن السادسة يضعن على رؤوسهن الحجاب، ويتم عزلهن عن الذكور".

تشير زاهر إلى أنّ هذه الرياض "تغذّي التعصّب المذهبي. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد فقط، بل تغذّي التعايش غير السلمي عبر تكفير الأديان الأخرى كاليهودية والمسيحية".

وتتابع "على الرغم من أنّ إدارات هذه الرياض تدعي وترفع ملصقات تحاكي الوئام بين المذاهب والأديان، إلا أن هذا عكس ما يجري في الواقع. وما يثبت كلامي هو أنّها ترفض تسجيل طفل ينتمي لمذهب يختلف عن مذهب القائمين عليها".

وزارة التربية

في حديث مع مدير مكتب وزارة التربية العراقية الإعلامي لموقع (إرفع صوتك)، يقول المتحدّث الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه إنّ الوزارة "لا تحدّد المناهج المتخصصة لرياض الأطفال الأهلية أو غير الحكومية، لكن يجب أن تطّلع عليها".

لكنّه يشير إلى أنّ قانون إعطاء رخص فتح رياض الأطفال الأهلية في المواد (11 و12 و13) يفرض على "إدارة الروضة عرض برامجها التربوية على الوزارة ولا يجوز إجراء أي تغيير فيها إلا بموافقة منها (من الوزارة). ولا يجوز لإدارة الروضة قبول أي تبرعات أو مساعدات من جهة أجنبية إلا بعد استحصال الموافقات الأصولية عن طريق الوزارة وعلى إدارة الروضة الأهلية مسك السجلات الضرورية لتنظيم أعمالها التربوية والفنية والصحية بما يضمن توثيق المعلومات الضرورية عن الأطفال".

عدد رياض الأطفال في العراق

وحتى نهاية العام 2014، أجرت وزارة التخطيط العراقية آخر إحصائية لعدد رياض الأطفال في العراق والتي بلغت (1041) روضة حكومية وأهلية. وبلغت نسبة رياض الأطفال الحكومية (68.5%) ونسبة الرياض الأهلية (31%)، حسب عبد الزهرة الهنداوي، المدير الإعلامي لوزارة التخطيط الذي تحدّث لموقع (إرفع صوتك).

وأضاف "لم تجرِ الوزارة إحصائية جديدة بعد هذا التاريخ لعدم توافر الكثير من البيانات الرسمية للمدن التي تعرضت لسيطرة تنظيم داعش".

ويشير الهنداوي إلى أنّ" البلاد تعاني اليوم من تضخم كبير في عدد الرياض الأهلية، فضلاً عن أنّ الكثير منها تزاول العمل من دون موافقات رسمية من وزارة التربية".

أمّا أمل صادق محمد، مديرة مديرية رياض الأطفال في وزارة التربية، فتقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ عدد مدارس رياض الأطفال الحكومية في العراق بلغ (600) للعام الدراسي 2015/2016، عدا محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار، حيث لم تتوافر أي بيانات عن عدد رياض الأطفال الحكومية بعد حزيران العام 2014 بسبب الأوضاع الأمنية، علماً أن نينوى كانت تحوي قبل سيطرة تنظيم داعش على (50) روضة حكومية.

وتضيف "بعض رياض الأطفال تفتح دون موافقات رسمية أو اكتمال الإجراءات والموافقات النهائية للوزارة، إذ هناك ما يقارب 24 فقرة يلتزم بها الذين يرغبون بفتح روضة أهلية.  وفي حال اكتمال الشروط اللازمة وعدم مخالفتها يسمح بفتح تلك الرياض، لكن المشكلة تكمن في أن الكثير من الرياض الأهلية تفتح دون ترخيص أو موافقة رسمية وخاصة تلك التي تتخذ من البيوت مقرات لها".

Capture

التوترات الطائفية والمذهبية

وطالب مروان علي، رئيس الإدارة السياسية في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، في حديث لموقع (إرفع صوتك)، الحكومة العراقية وتحديداً وزارة التربية بـ"إعادة النظر في المناهج التي تدرس في رياض الأطفال والمدارس كافة لتطرف بعضها وتشددها".

ويرى علي الدفاعي، مستشار النائب رئيس مجلس النواب الأول أنّ "عدم اهتمام الحكومة بالمناهج الدراسية ومتابعتها وخاصة الدينية منها يسهم في ارتفاع حدة التوترات الطائفية والمذهبية".

*الصورة الرئيسية: "عدم اهتمام الحكومة بمناهج رياض الأطفال... يسهم في ارتفاع التوترات الطائفية والمذهبية"/shutterstock

* الصور الأخرى: من كتب تدرّس في رياض الأطفال وصورة لإحصائية رياض الأطفال الحكومية/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".