مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

ترتبط السينما بالمجتمع وقضاياه ارتباطاً وثيقاً فهي كما يقول صناعها، مرآة للمجتمع تتفاعل مع مشاكل المواطنين والقضايا الاجتماعية والإنسانية والسياسية، من خلال ما يسمى بـ"أفلام الواقعية" التي تنقل صورة من القضايا التي يعاني منها المجتمع كالإرهاب والتطرف والبلطجة وغيرها.

ومن أبرز الأفلام المصرية التي عالجت هذه الظواهر (الإرهابي، الإرهاب والكباب، بحب السيما، عصافير النيل، إبراهيم الأبيض، عبده موته...وغيرها). لكن يقول بعض النقاد والخبراء في علم الاجتماع إنّ أفلاماً من هذا النوع ساعدت في انتشار ظواهر التطرف.

 البطل – المثال الأعلى

وبحسب الكاتب والمؤرخ محمد الشافعي في حديث لموقع (إرفع صوتك)، "فإنّ  نموذج البطل في هذه الأفلام يستهوي شريحة كبيرة من الشباب خاصة في المناطق الشعبية والقرى، بما يحفزهم على تقليده في طريقة الكلام واستخدام الأسلحة بالطريقة التي يستخدمها البطل - المثال الأعلى".

ويضيف أن هذه النوعية من الأفلام انتشرت بشكل ملحوظ رغم العنف الشديد وغير المبرر الذي تحتويه، مشيراً إلى أن "العنف والتطرف موجودان في المجتمع، لكن السينما تقوم بتضخيمهما بشكل كبير، وهو ما يحمل مردوداً سلبياً على المجتمع كله بشكل عام وعلى فئة الشباب بشكل خاص، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى كوارث حقيقية".

ناقوس الخطر

 تخالف الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذة علم الاجتماع العائلي، الشافعي الرأي، فهي ترى تأثيراً إيجابياً لهذه الأفلام. وتقول لموقع (إرفع صوتك) إن السينما تعكس واقعاً موجوداً، "وبإنتاج الأفلام التي تصور التطرف والبلطجة فهي تدق ناقوس الخطر لتخبر العائلات المصرية بإمكانية ميل أولادهم للتطرف وأن هناك انحرافات سلوكية بدأت في الظهور بالمجتمع".

وتضيف د. إنشاد " أتصور أن تأثير هذه النوعية من الأفلام هو تأثير إيجابي لأن التطرف ليس تقليداً وإنما خطوات فعلية مبنية على تطور وتطرف فكري، والأفلام التي تناقش التطرف والإرهاب والبلطجة والمخدرات وغيرها تنبه الأهل وتدعوهم لعدم تبسيط الموضوع والمحافظة على أبنائهم لكي لا يقعوا في براثن التطرف".

العنف والإرهاب

أفلام الفنان عادل إمام "طيور الظلام" و"الإرهابي" وغيرها، اشتهرت بتعرّضها لقضية العنف والإرهاب وهي أفلام عالجت علاقة المتشددين بالسلطة وطموحاتهم السياسية، وسلّطت الضوء على استغلال الدين لغرض الوصول للسلطة. ومن ضمن الأعمال التلفزيونية الأخرى مسلسل العائلة من بطولة الفنانة ليلى علوي التي تدور أحداثه في مصر وقت حرب الاستنزاف وحول الأسرة التي تفقد أحد أبنائها بالحرب وتأثير ذلك عليها، ويتناول قضية الإرهاب والفقر الذي يؤدي بالفقراء إلى الانجراف وراء التيار المتطرف.

ومن الملاحظ أن هذه القضايا لم تكن موضع تركيز السينما المصرية في بداياتها، بل بدأت بالظهور في بداية التسعينيات تقريباً، لتعكس تغيرات المجتمع المصري، وتسلط الضوء أكثر على المشاكل الاقتصادية والأزمات المعيشية كذلك بعد اتسامها بالرومانسية في الستينيات والسبعينيات.

وتشير الدكتور هبة العيسوي أستاذة الطب النفسي ورئيسة الجمعية الأمريكية للطب النفسي في حديث لموقع (إرفع صوتك) إلى أن "السبب الرئيسي وراء انتشار أفلام العنف والبلطجة اقتصادي بحت، حيث يهدف منتجو هذه النوعية من الأفلام للربح وفقط".

وتضيف "ما يحدث في السينما الآن أنها تنقل هذا السلوك وكأنه يعبر عن صورة المجتمع. فبعد مشاهدة هذه الأفلام يبدأ الشباب في تقمص الشخصية الدرامية". وتشبه د. هبة تأثير هذه الأفلام على المجتمع "بحجر يرمى بالماء فإما أن يستقر بالقاع وبالتالي يخمد تأثيره وإما أن نجد أنفسنا أمام نظرية الأواني المستطرقة ويظل المجتمع يدور في دوامات من العنف والتطرف".

من جهته، يقول الدكتور مدحت الجيار، الناقد والروائي وعضو اتحاد الكتاب لموقع (إرفع صوتك)، إن "السينما المصرية منذ نشأتها تمثل أداة مؤثرة للغاية في المجتمع المصري وهي تتأثر بالميديا العالمية فانتشار أفلام العصابات والمبارزات الشريرة بين الأبطال".

ويضيف "بلطجية المجتمعات في السينما العالمية أثرت في السينما المصرية التي عملت على إنتاج الكثير من نوعية هذه الأفلام التي تؤثر بعمق في الشباب والمجتمع".

ويشير إلى أن "ميل المشاهد المصري لهذه الأفلام جاء نتيجة شعوره بضرورة أن يوفر الحماية لنفسه وعائلته".

*الصورة: لقطة من أحد أفلام الممثل المصري عادل إمام/عن موقع يوتيوب

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659   

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".