الأردن – بقلم صالح قشطة:
مع تنامي التنظيمات المتطرفة وتماديها، ومع توسع إمكانياتها الإعلامية وتنوعها في ظل توسع مواقع التواصل الاجتماعي وتزايد عدد مستخدميها، شهدت المنطقة العربية تداول الكثير من المواد الإعلامية الدموية التي تحوي عنفاً وممارسات غير إنسانية لاقت انتشاراً غير مسبوق.
وقد وفّر "الإعلام المجاني" عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أو بآخر لتلك التنظيمات وخاصةً تنظيم داعش، منبراً لترويج أفكارها الدموية ولإيصال رسائل معينة للمتلقي بشكل يتفاوت حسب ثقافة ذلك المتلقي ومدى وعيه وقابليته لتبني أي من هذه الأفكار والرسائل الدموية.
بين الترغيب والترهيب
وحول نهج تنظيم داعش الإعلامي ورسائله عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، يرى الطبيب والمحلل النفسي د. محمد الحباشنة أنّه سلوك مُمَنهَج يجمع ما بين شكل الترغيب والترهيب في آن واحد.
ويوضح الحباشنة في حديث لموقع (إرفع صوتك) "يحاولون الترهيب بشدة العنف الذي يقومون به، والذي قد يسعون من خلاله لتغيير السلوك البشري نحو منحى آخر وخطير"، مشيراً إلى أنّ "الترغيب يكون خاصة لبعض الفئات المكوّنة من أشخاص يعانون من ضعف نفسي أو ضعف إنجاز أو ضعف تحقيق الذات، وخاصة أولئك المأخوذين بفكرة القوة وأحقية الدولة الإسلامية بالخروج من الهزيمة".
تروّج التنظيمات المتشددة لنفسها عبر مقاطع فيديو تنشرها على "يوتيوب" أو حسابات تديرها على "تويتر" و"فيسبوك" وحتى مقاطع أناشيد تنشرها عبر موقع "ساوند كلاود". وقد لجأ داعش إلى بث فيديوهات بدت بتصوير محترف وإخراج أشبه بالسينمائي، وكان آخرها فيديو لطفل في الرابعة ملقب بـ"الجهادي الصغير" يضغط على زر لتفجير سيارة قيّد فيها أربعة من الرجال اتهموا بالعمل لصالح بريطانيا ضد داعش.
ويعتقد الحباشنة أن غياب المشاريع الوطنية وضعفها في دول منطقة الشرق الأوسط جعلها بيئة سهلة لانتشار داعش، وشدّد أن "الحاجة في هذه الحالة تكون إلى دولة مؤسسات وعدالة ونظام وقانون، بعيدة كل البعد عن الفساد". واستطرد "لو شئنا أن نعتمد على شيء حتى نخرج طاقاتنا ومكنوناتنا ونعيد حالة الراحة والشعور بالثقة وتحقيق الذات الفردي والجمعي، فلا يوجد بديل سوى لدى أناس بسطاء استطاعوا تحقيق إنجازٍ فردي خفف عنهم عبء الإنجاز العام".
وحول مدى تقبل سكان المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم لهم، يقول الحباشنة إنّ "المؤيد والمرحب بهم موجود، والمعارض لهم موجود أيضاً". ويضيف "هناك من يعتقد بكونهم مجموعة ظلامية، لكن لديهم خوف على أنفسهم وعلى بيوتهم وعلى أعراضهم وأموالهم، وهذا يهزم معنوياتهم، وله دور كبير جداً في الحرب النفسية التي يشنها داعش في بعض المناطق الخاضعة لسيطرته".
كما يرى أن "داعش انتصر في الكثير من مناطق سيطرته باستخدام الرعب والخوف أكثر من أي عامل آخر".
إعدام الكساسبة
في مطلع 2015، نشر تنظيم داعش فيديو هز مشاعر الأردنيين بل والعالم أجمع وأظهر فيه التنظيم تنفيذ حكم الإعدام حرقاً بحق الطيار الأردني معاذ الكساسبة. تداولت حينها ذاك الفيديو معظم وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لتخوّله اختراق كل منزل تقريباً وتعطيه إمكانية التأثير على الناس.
ويرى الحباشنة أن الرسالة التي أراد تنظيم داعش أن يوصلها كانت "نحن مجموعة لا ترحم، ومجموعة شديدة البأس والقوة ولدينا روح النكاية".
ويشير إلى أن التنظيم لم يكتف بذلك فقط بل حاول إيصال رسالة أخرى مفادها أن "لا تتحدونا أو تمسونا بأذى، فالموضوع خطر للغاية ويتعلق بعنف غير مسبوق... فاحذروا الاقتراب".
وبحسب الحباشنة "قد يكون ما فات التنظيم في قضية الكساسبة أن الناس لديهم حاجز خوف وبمجرد كسر هذا الحاجز فإنه يتحول من حاجز خوف لحاجز غضب". ويسترسل "احتمالية العنف الشديد الخارج عن المدى الإنساني المقبول تم كسرها من قبل داعش، فلو كانوا يحاولون إيصال فكرة أنهم يتصفون بالعنف وأنهم لا يهزمون، فقد خلقوا تحدياً لدى الناس لهزيمتهم بعنف قد يكون أكبر من عنفهم".
وهذا ما يبرر الحباشنة به عدم تمكن التنظيم من الانتصار على الكرد مثلاً بقوله "في حالةٍ مثّلت عصبة قوية كالأكراد، لم يتمكن داعش من فعل شيء يذكر، ولم يستطع هزيمتهم بمجرد فكرة الرعب والنكاية. فلقد قاوموهم بشكل شرس كما نرى في كوباني ومناطق الشمال".
ويختم المحلل النفسي حديثه بقوله "هنا نرى أن العصبة القوية استطاعت أن تهزم العنف مهما كان"، في إشارة منه إلى أن مواجهة الإرهاب لا بد وأن تكون بشكل مدروس وجهد موحد للقضاء عليه بشكل نهائي.
*الصورة للمحلل النفسي د. محمد الحباشنة/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659