الأردن – بقلم صالح قشطة:
لم يأت وصف الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص بـ"السلطة الرابعة" من الفراغ، أو لمجرد الرغبة في إطلاق ألقابٍ تلفت النظر لأهميته، بل لحساسيته الشديدة وثبوت مدى تأثيره وفعاليته في صنع الرأي العام.
لكن في وقت تحتاج فيه المنطقة العربية إلى أصوات معتدلة ومتزنة تخمد النار المتأججة في جزء كبير من أقطارها وتساعد في نقل الشعوب إلى حالةٍ من السلام والهدوء، نجد العديد من الجهات التي لا تتردد في سكب مزيد من الزيت على النار، في محاولةٍ لزيادة حدة وفظاعة كل ما تمر به المنطقة من فتنٍ وحروبٍ طائفية تدخل التاريخ من أوسع أبوابه بمدى شراستها، مستخدمة سلاح الإعلام لبث تطرفها وأفكارها الهدامة، والتي يتضح مدى تطرفها للمتابع من خلال المصطلحات المستخدمة في موادها المختلفة.
مصطلحات تخدم التطرّف
وفي هذا الشأن يعطي الصحافي والناشط الحقوقي محمد شمّا مثالاً على استخدام بعض المصطلحات التي يتم توظيفها في سياق الخلاف السني الشيعي حيال الوضع في سورية والعراق أو البحرين واليمن ويتم تداوله في الإعلام مثل "الصفويين نسبة إلى الشيعة، والشيعة الروافض، النصارى نسبة إلى المسيحيين، أو أبناء القردة والخنازير نسبة إلى اليهود وعبدة الأصنام والكفرة والمرتدين وأصحاب الأجندات الخارجية".
ويقول شمّا لموقع (إرفع صوتك) إنّ "هذه الانتهاكات تأتي من خلفية غير مسؤولة ولا مهنية، يُقصد بها خدمة توجهات سياسية وطائفية يميل لها الصحافي الذي يتداول هذا النوع من الخطابات رغبةً بشهرةٍ أكبر ورواجٍ أكثر لأفكاره المطروحة".
ويوضح أنّ "استخدام مثل هذه المصطلحات من شأنه تحشيد الجمهور أكثر تجاه نبذ الآخر والكراهية ورفضه وعدم قبوله، بل والتعدي عليه، ما يعني المزيد من العنف والتطرف".
وفي ذات السياق يشير ممدوح أبو الغنم، الصحافي والمحرر في مرصد مصداقية الإعلام الأردني "أكيد"، إلى أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينصّ على أن "لكل إنسان الحق بالتمتع بكافة الحقوق والحريات، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي".
ويقول أبو الغنم في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ "التطرف في الإعلام لا يقتصر على الصورة المباشرة التي يسهل تمييزها، بل يتعداها إلى زرع مفاهيم متنوعة لتصبح من أساسيات شخصية المتلقي. ويعطي مثالاً استخدام كلمة الزنوج والعبيد بدلاً من الأفريقيين، أو بعض الأمثال المتجذرة في المجتمع مثل "حرية المرأة تدل على انحلالها!".
ويلفت أبو الغنم إلى أن استخدام هذه التعابير يحمل الكثير من الانتهاك لحقوق الإنسان في الحرية والتفكير وحرية الرأي والمعتقد، "ولا يقف الانتهاك عند دلالات الكلمات بل يتعداها في نشر صور الأطفال مثلاً، ما يؤثر على مستقبلهم، خاصة في الإطار الذي نشرت فيه مثل جرائم الاغتصاب، أو نشر أسماء وصور المتهمين بالجرائم قبل إصدار أي أحكام بحقهم".
تعليقات على الإنترنت
كما يشير أبو الغنم إلى التعليقات المختلفة التي يتركها القراء على مختلف مواقع شبكة الإنترنت، والتي يعتبرها دليلاً على تأثير تلك المواد على طريقة تفكيرهم ونظرتهم لمختلف القضايا.
ويقول "استخدام ذلك يؤثر بشكل سلبي على المتلقي ويتضح ذلك من خلال التعليقات على الأخبار التي تشير بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى عدم قبول الآخر. فمثلاً عند حدوث جريمة قتل والكشف عن جنسية المتهم بالقتل، إذا لم يكن من المجتمع ذاته، نلاحظ التعليقات التي تطالب بإعدامه أو إخراج كل من يحمل تلك الجنسية من البلاد".
ويرى أن هذا قد يؤثر في بعض الحالات على مجرى العدالة، مضيفاً "حين تصبح قضية ما قضية رأي عام كبرى، قد تؤثر على القاضي وعلى الحكم في القضية. فالقاضي هو ابن المجتمع وإنسان يتأثر بحيثيات القضية، وهذا قد يؤدي إلى عدم حصول المتهم على محاكمة عادلة وهي حق من حقوقه مهما كان الذنب الذي قام بارتكابه".
الأقليات ضحايا التحريض
وهذا ما يتفق معه شمّا الذي يرى أن "الأقليات في المجتمعات العربية هي الأكثر عرضةً لهذه الأنواع من التحريض، ما يشكل خطراً على حياة مكوناتها ومستقبلهم"، ويعطي مثالاً "وصف المسيحيين بالأنجاس والكفار والمشركين، وهذا يشكل انتهاكاً لحق الأشخاص في السلم والأمان ويعرضهم للأذى".
ويثمن شمّا دور بعض وسائل الإعلام المهنية التي تراعي الآثار المترتبة على تفاصيل المحتوى المقدم من خلالها، إلّا أنه لا يراها كافيةً في ظل انتشار إعلام مضاد لا يفوّت استغلال أيّ فرصة لإقصاء الآخر والتحريض ضده.
*الصورة: "الأقليات في المجتمعات العربية هي الأكثر عرضةً لهذه الأنواع من التحريض"/shutterstock
*الصورتان (2) و(3) لللإعلاميين محمد شمّا وممدوح أبو الغنم
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659