بقلم خالد الغالي:

بدأت عدد من القنوات الشيعية والسنية، التي تقدم نفسها على أنها نوافذ للحوار مع الآخر، في الظهور على الساحة العربية خلال السنوات القليلة الأخيرة. إلا أنها في الواقع مليئة بالخطابات العدائية والتحريضية. وبفضلها، صارت الخلافات العقائدية الشيعية-السنية والتي ظلت نخبوية خلال قرون طويلة، تدخل كل بيت.

خطاب الكراهية

تأتي في مقدمة هذه الفضائيات ثلاث قنوات هي الأكثر شهرة: قناتا "صفا" و"وصال" السنيتان، وقناة "فدك" الشيعية. تبث قناة "صفا" من مدينة الإنتاج الإعلامي من مصر، وتبث "فدك" من العاصمة البريطانية لندن، فيما تبث "وصال"، حسب حسابها الرسمي على موقع تويتر، من الرياض. ظهرت هذه القنوات في الفترة نفسها تقريبا، بين سنتي 2009 و2011.

لا تسعى هذه القنوات إلى تعريف المخالفين بالمرتكزات العقائدية التي تقوم عليها الطائفة التي تمثلها، بقدر ما تركز، في برامجها، على تعرية "نواقص" المذهب المخالف والقدح في رموزه.

هكذا، تبث قناة فدك الشيعية برامج مثل "كيف زيف الإسلام؟"، و"أكذوبة عدالة الصحابة" للتشكيك في مسائل عقدية عند السنة، وترد عليها قناتا صفا ووصال ببرامج مثل "الشيعة من هم؟"، و"لماذا تركت التشيع؟" و"قبعات وعمائم"، و"لعلهم يهتدون"... إلخ.

ولا يتردد مقدمو البرامج، والشيوخ الذين تتم استضافتهم، في الهجوم الشديد على الطرف "المعادي"، وذم معتقده، وتكفيره أحياناً. بل يصل الأمر إلى حد رفع الأيدي للدعاء على المخالف بالدمار، كما فعل الشيخ المصري محمد الزغبي على قناة "الخليجية" بدعاء مطول على الشيعة.

وترفض هذه القنوات أي تقارب بين الطائفتين الشيعية والسنية. تقول قناة صفا منتقدة شيخ الأزهر، أحمد الطيب.

https://twitter.com/safa_tv/status/701735922338021377

وفي سياق الحرب التلفزيونية الطائفية، تعمد رجل الدين الشيعي ياسر الحبيب اختيار اسم مثير للجدل للقناة التي أطلقها من لندن: "فدك". يحيل هذا الاسم إلى أحد مواضيع الصراع الأكثر حساسية بين أكبر طائفتين إسلاميتين. وهو في الواقع، اسم لواحة صغيرة في شبه الجزيرة العربية، يرى الشيعة أن الخليفة الأول أبا بكر انتزعها من فاطمة ابنة النبي محمد. وترفع قناة فدك شعار "لا راية تبقى أمام راية آل محمد"، في إشارة إلى الشيعة.

ولا يتردد ياسر الحبيب في تكفير رموز السنة، مثل الخليفتين أبي بكر وعمر وزوجة النبي عائشة.

https://twitter.com/Sheikh_alHabib/status/701144294309154816

وأقام ياسر الحبيب، سنة 2010 في العاصمة البريطانية لندن احتفالاً بذكرى وفاة السيدة عائشة زوجة النبي، وهو ما أثار غضباً واسعاً في الأوساط السنية. كما أعلنت قيادات شيعية، على رأسها مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، رفضها لما قام به الحبيب، غير أن الأخير بادر إلى الرد على موجة الانتقادات بإصدار كتابٍ بعنوان "الفاحشة... الوجه الآخر لعائشة"، يمكن شراؤه على الموقع الرسمي لقناة فدك على الإنترنت، بسعر 35 دولاراً.

تمويلات غامضة

ترفض القنوات الدينية الطائفية الإفصاح عن مصادر تمويلها، وتؤكد بعضها أن تغطية مصاريفها يتأتى من تبرعات المشاهدين. فقناة أهل البيت الشيعية، التي تبث من ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية، ويديرها الشيخ حسن اللهياري، تقول على موقعها الرسمي إنها "غير ممولة من أي جهة غير المتبرعين من الشيعة". وتضع القناة روابط للتبرع على الموقع، وهو ما تقوم به أيضا قناة فدك. وكان مؤسس قناة فدك، ياسر الحبيب أطلق حملة لجمع التبرعات تمكن من خلالها من جمع مليوني جنيه إسترليني. وهو المبلغ الذي مكنه من شراء كنيسة قديمة وتحويلها إلى مسجد ومقر لقناته.

وحسب تحقيق أجرته قناة BBC سنة 2014، تصل تكلفة إنشاء فضائية دينية إلى 450 ألف دولار سنوياً. وشمل التحقيق ست قنوات فضائية اعتبرتها BBC الأكثر تطرفاً، وهي: صفا ووصال ووصال فارسي عن الجانب السني، وفدك وأهل البيت والأنوار 2 عن الجانب الشيعي.

قوبل طلب معدي التحقيق لأصحاب القنوات بالكشف عن مصادر تمويلها بالرفض القاطع، مكتفين بالقول إن الأمر يتم عبر تبرعات المشاهدين أو تبرعات ممولين يرفضون الكشف عن هويتهم خوفاً من "الرياء".

توقف ثم عودة

تعرضت أغلب القنوات الدينية المتشددة للتوقيف أو الإنذار على الأقل مرة واحدة. رغم ذلك، ما زالت تبث إلى حدود اليوم.

ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2010، أعلنت الشركة المصرية للأقمار الصناعية "نايلسات" عن توقيف بث 12 قناة تليفزيونية بعضها بتهمة إثارة النزعات الطائفية، ومن بينها قناتا "صفا" و"أهل البيت". لكن هذه القنوات عادت إلى البث بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011 في مصر.

أما قناة وصال، فقامت السلطات السعودية بإغلاق مكاتبها في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر 2014. وأعلن وزير الثقافة والإعلام السعودي حينها عبد العزيز الخوجة إغلاق القناة بتهمة بث النعرات الطائفية.

 وجاء الإغلاق بعد يومين فقط من هجوم في الأحساء قتل فيه ثمانية من الشيعة في إطلاق نار على حسينية.

https://twitter.com/abdlazizkhoja/status/529740018659913728

وبعد عام، قامت الحكومة الكويتية بالخطوة نفسها، فأغلقت مكاتب القناة بتهمة التحريض المذهبي بعد هجوم على الطائفة الشيعية استهدف مسجد الإمام الصادق في العاصمة الكويت.

وفي العراق، قررت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية تعليق رخص 10 قنوات فضائية لاتهامها  بـ"التحريض على العنف والطائفية"، بينها قناة الأنوار 2. لكن القناة عادت إلى البث مجدداً.

أما قناة فدك، فنشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن هيئة الاتصالات البريطانية "أوفكوم" أجرت بشأنها تحقيقاً سنة 2012، بعد محاضرة ألقاها ياسر الحبيب قدح فيها بالخليفة الثاني عمر بن الخطاب. لكن الهيئة قالت إن فدك لم تخالف قوانين البث، إلا أنها وجهت لها توجيهات صارمة بخصوص التعامل مع مثل هذه القضايا، مؤكدة أنها ستعمل على مراقبة مدى امتثالها للتعليمات. لكن الهيئة لا تملك، في الحقيقة، كثيراً من الصلاحيات لضبط عمل القناة، ما دام بثها موجها إلى خارج بريطانيا وأوروبا.

* الصورة: سيدة عراقية ترفع لافتة رافضة للطائفية في بلدها، خلال مظاهرة في ميدان التحرير في بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.