المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

بعد دعوة العاهل المغربي محمد السادس لمراجعة مناهج التربية الدينية المعتمدة في النظام التعليمي بالمغرب، وتركيزه على أن تهتم بالقيم الإسلامية السمحة، يعود الحديث مرة أخرى عن دور المناهج التربوية في إنتاج الفكر المتشدد، وما يرتبط به من سلوكيات وإن كان مصدرها مؤسسات التعليم التقليدية.

وكان المغرب قد بادر خلال السنوات الأخيرة إلى تغيير مناهجه الدراسية في مختلف المراحل التعليمية، وخاصّة بعد أحداث 16 أيّار/مايو الإرهابية بمدينة الدار البيضاء التي خلفت عشرات الضحايا. وشرع في تنقية مناهج التربية في من كل ما شأنه أن يغذي الفكر المتشدد، وجعل المواد المدرسية أكثر انفتاحاً على العصر.

ويرى مراقبون أن عوامل عديدة تساهم في تغذية الفكر المتطرف في البلدان العربية، وأبرزها الأنظمة التعليمية المعتمدة وافتقارها إلى منهجية واضحة في التعليم، إضافة إلى المضامين التقليدية، وبالتالي تعتبر بيئة مواتية لثقافة العنف التي تتبناها الجماعات المتشددة، فيما يرى آخرون بأن مناهج التعليم ليست مسؤولة بشكل مباشر عن انتشار ظاهرة الفكر المتطرف وإنما هناك مؤثرات أخرى كالإعلام والانترنت والشارع.

تدريس الغزوات للأطفال

وفي هذا الصدد، يرى الباحث المغربي وأستاذ الفلسفة سابقاً أحمد عصيد أنّ "قرار المراجعة الذي اتخذه ملك المغرب كان منتظراً، خاصّةً وأن هناك ملاحظات تخص المادة الدينية في المناهج التربوية المغربية على مستوى المضمون لا تستجيب لالتزامات الدولة بتوجهاتها المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية".

التربية الإسلامية - الغزوات 2

ويضيف الباحث المغربي في حديث لموقع (ارفع صوتك) "كانت مقررات التربية الإسلامية تتعارض مع أسس الدولة الحديثة، وهو ما خلق نوعاً من التناقض والازدواجية في المضامين. وهذا ما يضع قيماً حداثية منفتحة في مواجهة قيم تقليدية من منظور سلفي".

التربية الإسلامية - الغزوات

ويتطرّق عصيد إلى مثال نصوص مرتبطة بالعنف، "كتدريس الغزوات للأطفال وهو ما يتعارض مع الأهداف التعليمية للمدرسة الحديثة". ويرى أنّه "لا ينبغي تدريس مثل هذه الدروس التي لها سياق خاصّ في الإسلام، لأنها قد تصبح جزءا من العقيدة بالنسبة للأطفال الصغار".

"نحن نعلّم الأطفال أن دين الإسلام دين العقل والتسامح، ثم نأتي لنقول لهم إنّه انتشر بالسيف. هذه تناقضات لا يجب أن توجه للأطفال"، يقول عصيد.

دور الأستاذ

في مقابل ذلك، يرى عبد العزيز الشاري وهو أستاذ للتعليم الابتدائي، أن وجود درس "الغزوات" في مناهج التربية خلال السنوات الأولى "أمر عادي، وليس فيه أي نية أو تأويل لحديثه عن العنف".

ويرى أن هذا الدرس "يعتبر ضرورياً لاطلاع الأجيال الصاعدة على تاريخ دينهم، ومن يطالب بتعديله، ربما لم يفهم المقصود من الدرس".

ويشير الشاري إلى أن "الأستاذ يتحمل المسؤولية المباشرة في إيصال المقصود من الدرس، وما يفهمه التلاميذ يعتمد على فهم الأستاذ"، موضحاً أنّ "مناهج التعليم في المغرب تخلو مما يمكن أن يساء فهمه. والتعديلات التي مست دروس التربية الدينية ركزت بالأساس على حذف الدروس التي تجازوها الزمن وانفتحت على دروس جديدة تواكب العصر. وهذا يعتبر إنجازاً في حد ذاته".

تعديل المناهج الدينية 

من جهة أخرى، يرى الباحث في الدراسات الإسلامية محمد المسعودي أن "تعديل المناهج الدينية في العالم العربي أصبح أمراً ملحاً تمليه المتغيرات التي يشهدها العالم، خاصة وأننا نتحدث عن واقع إسلامي جديد وظهور جماعات متطرفة كتنظيم داعش.. وهو الأمر الذي يطرح تحدياً على المستوى الديني وليس السياسي فقط، ذلك أن هذه التنظيمات تتحايل على القيم الدينية وتقدمها بطرق خطيرة على الأجيال الصعدة. والتعليم الديني براء من ذلك".

ويشدّد المسعودي أن "الأستاذ في المغرب يتعامل بوثيقة رسمية تمثل توجه الدولة الديني، ولا يمكن بتاتاً أن تتضمن قيماً تغذي التطرف أو العنف. كما أنّ المناهج التربوية ليست مؤثرة بشكل كبير كما هو الحال بالنسبة لوسائل الإعلام والشارع اللذين يعجان بآلاف التيارات الفكرية العنيفة والمتشددة وغيرها. وبالتالي لا يمكن أن نحمّل مناهج التربية الدينية المسؤولية المباشرة عن التطرف والعنف".

*الصورة: "كانت مقررات التربية الإسلامية تتعارض مع أسس الدولة الحديثة، وهو ما خلق نوعاً من التناقض والازدواجية في المضامين"/shutterstock

*الصورة 2 و3: من كتاب التربية الإسلامية في المغرب/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".