متابعة علي عبد الأمير:

على الرغم من التقدم المحقّق في ميدان المواجهة العسكرية والأمنية وحتى السياسية في محاربة تنظيم داعش، إلّا أن هناك من يرى أن "التحالف الدولي لا يزال بعيداً عن كسب الحرب الإعلامية ضد (تنظيم) الدولة الإسلامية"، كما في التقرير البحثي المشترك الذي كتبه تشارلي وينتر وجوردان باخ- لومباردو، ونشره موقع "ديفينس وان".

ويشدد البحث على أنّ "منظمة أبو بكر البغدادي قد لا تتمتع بجاذبية كبيرة، لكنها بالتأكيد ذات تأثير شامل بعد 18 شهراً من إعلان الخلافة. فهي قد تكون ملهمة لهجمات يشنها مسلمون حتى خارج مناطق الخلافة. وبالتالي، فإن الاتصالات الاستراتيجية بما تعنيه "معركة القلوب والعقول" التي قد تشهد نصراً أو هزيمة، تبدو بنفس أهمية الحملة العسكرية، إن لم تكن أكثر من ذلك".

وبحسب التقرير فإنه "لا بد من نظرة منصفة لجهود التحالف، وخصوصاً الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية، والعمليات الإعلامية الحكومية لمكافحة الدولة الإسلامية والتي هي أكثر حضوراً الآن من أي وقت مضى. وتبدو قدرة الدعاية المضادة متجهة نحو تأثير متعاظم، حتى أن كبرى وسائل الإعلام الاجتماعية مثل "تويتر" أصبحت أكثر هجومية في مواجهة دعاية داعش، بل حتى أصحاب الحسابات المجهولة وقعوا في الهدف".

جهود

ويلفت التقرير إلى أهمية ما قامت به وزارة الخارجية الأميركية بإعادة هيكلة جهاز الدعاية المضادة الخاصة بها، وخلق "مركز المشاركة العالمية" الهادف إلى تقويض التضليل الذي تتبناه الجماعات المتطرفة العنيفة، بما في ذلك داعش والقاعدة"، مشدداً على ضرورة "التنسيق بين مختلف عمليات التحالف الإعلامية" من أجل بنية اتصالات دولية جديدة، تقوم على ثلاثة أركان: التوجه الاستراتيجي العالمي والتوصيل المحلي للأفكار، وعلى نطاق أوسع، فهم أكثر دقة للسبب والكيفية التي تمكن عبرهما تنظيم الدولة الإسلامية من توصيل أفكاره ونداءاته".

ومن أجل أن يكون لتلك الاتصالات الدولية تأثير دائم ضد هذا العدو اللدود، فإن التقرير يركز على أهمية فهم واسع ودقيق لمفاهيم التنظيم ومعرفة من هم الأولى محلياً باستلام رسائل التصدي لداعش ومن يقوم فعلياً بالتصدي حيال ما يسميه التقرير بـ"الضعف الهيكلي وغياب أصوات ذات مصداقية تتصدر لثقافة التنظيم ودعايته، ناهيك عن كون الإشراف الرسمي من قبل الحكومات الغربية على هذه البرامج الثقافية والدعائية المضادة، ما هو إلا نهج بيروقراطي مفرط يقف في طريق المرونة والديناميكية، وكلاهما مطلوبتان للنجاح".

وينوه التقرير إلى أهمية حملة للولايات المتحدة بعنوان "القيم المشتركة" التي تهدف إلى إظهار حياة المسلمين في الولايات المتحدة، وجهود "مركز الاتصالات الاستراتيجية" الذي تشكل حديثاً في المملكة المتحدة، ناهيك عن تلك المراكز المنتشرة على مستوى العالم، من نيجيريا إلى المبادرات الموجهة للحكومة الماليزية. لكنّه يراها "غير كافية من الناحية الهيكلية، ومحتواها يفتقر إلى المصداقية بين معظم الجمهور المستهدف"، أي المعرض لخطر الجماعات الإرهابية ضمن المجتمعات المهمشة التي "تشعر بأنها غير مبالية أو معادية لحكوماتها، ناهيك عن المؤيدين والمتعاطفين المحتملين مع تنظيم البغدادي".

نهج جديد

ويدعو التقرير إلى التصدي لمفاهيم داعش عبر "الجهات الفاعلة المحلية غير الحكومية"،  ويمكن أن يكون أفرادها من المسلمين أو غير المسلمين أو المؤسسات وقادة المجتمعات المحلية أو المنظمات الثقافية. ما يهم أكثر هو أنهم محل ثقة وأعداء "الدولة الإسلامية"، والسعي إلى بناء علاقات مع أولئك المعرضين لخطر التطرف والجمهور العام المستهدف من قبل داعش ودعاته.

لتحقيق هذا، يرى التقرير أنّه يتعين على الحكومات توفير التمويل والدعم اللوجستي، والتدريب في مجال الاتصالات وأفضل الممارسات، سواء للجماعات العاملة فعلياً ضمن مكافحة التطرف أو أولئك الذين يرغبون في البدء من نقطة الصفر. وبما أن كل هذا يجب أن يساهم في الهدف المشترك المتمثل في تقويض داعش، فإنّه يدعو إلى دعم حكومي للجهات الفاعلة المحلية  ضمن حملة منسقة عالمياً من شأنها دحض دعاية التنظيم الإرهابي ومفاهيمه.

وفيما يقر التقرير بالدور الأساسي للحكومات في المعركة ضد "الدولة الإسلامية"، لكنه ينصحها بالابتعاد عن الاتصالات المباشرة، وبدلاً من ذلك أن تدعم الجهات الفاعلة المحلية، فهي، كما يرى التقرير، "في وضع يمكنها تحديد أفضل قناة للتواصل، لكنها تحتاج إلى أن تعطى الحرية للقيام بذلك".

*الصورة: شعار تويتر/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.