بقلم علي عبد الأمير:

أثارت دعوة باسم موقع (إرفع صوتك) لمناقشة ملف الأسبوع "بناء مجتمعات مدنية... هل تتعارض العلمانية مع الإيمان؟" مجموعة من السجالات والنقاشات شهدتها مجموعة "نريد أن نعرف"، وهي مجموعة تسعى إلى الارتقاء بالحوار الفكري إلى مستويات نادرة في مجتمع التواصل الاجتماعي العربي، والعراقي على نحو خاص.

وفي سياق الحوار، نتوقف عند بعض محطاته التي نبدأها مع ما يقوله المهندس والناشط المدني سمير السوداني إنّ "العلمانية وكما يعرف أي منصف، لا تتعارض مع الإيمان، كونها وببساطة ليست فكراً ولا أيديولوجية كي تكون منافسة لإيمان المؤمن، وإنما هي طريقة لحكم الدول وتحديد طريقة سن قوانينها وتسيير أمورها بعيداً عن تأثير الأحكام الإيمانية والدينية أيّاً كانت".

وعن "عداء المتدينين للعلمانية"، فيرى السوداني أن ذلك "معروف وواضح السبب والمغزى. فهم يحكمون الدول عن طريق سن قوانينها وتسيير أمورها حسب تعاليم دينهم وإيمانهم، وبالتالي تتحول الدول وبصورة قانونية تابعة لقيادة ذلك الدين أو الإيمان. وتطبيق العلمانية يعني حرباً على ذلك الدين أو الإيمان كونها ستسلبه السيطرة الكاملة على الدولة ومؤسساتها، وتعيده إلى الوراء وتقلل من أهميته وتهميشه. وهذا ما يخشاه قادة ذلك الدين وأتباعه، لذا فهم يحاربوه".

لا تتعارض مع الأديان

ويعتقد ثامر الكاهجي أن "العلمانية ليست فقط لا تتعارض مع الأديان، بل إنّها الضمانة ربما الوحيدة لحرية الأديان"، موضحاً في مداخلته أن "فصل الدولة عن الدين لا يعني بأي شكل من الأشكال معاداة الدين، وإنما وضع الدين بمكانه اللائق وإتاحة الحرية التامة لممارسه الطقوس داخل مكان العبادة. الدين أمر شخصي يخص المؤمن وعلاقته برب السماء.. فليؤمن من شاء أو لا يؤمن من أراد".

من جهتها قالن شيرا عياري إنّ "العلمانية منهج سياسي للدول يرسخ حرية المعتقد وحق التعبد، أي أنّه يحمي العقيدة وخاصة عقيدة الأقليات، علماً أنّ أغلب الأديان ترسخ العنصرية. وحدها العلمانية تكفل سلامة الأفراد دون الأخذ بعين الاعتبار انتماءهم الديني".

منهج سياسي وليس فلسفة

وفيما يقول الدارس في الحوزة الدينية بالنجف الأشرف، الشيخ عبد الكريم صالح أن "ما طرح من بيان للعلمانية غير مستند في الواقع لمصدر موثوق وإنما هي آراء شخصية. فإن ما يطرح من تعاريف لها إنما هي تعاريف سطحية، كما يقول عادل ضاهر في الأسس الفلسفية للعلمانية. فإن حقيقة العلمانية كما يذكر هي موقف من الإنسان والقيم والدين ولها موقفها الابستمولوجي من طبيعة المعرفة العملية وعلاقتها بالمعرفة الدينية"، ترد شيرا عياري "سيدي هل تعتقد أن استعمال "ابستمولوجي" طرح واقعي؟ نتحدث عن "منهج سياسي" و ليس عن فلسفات، علما أن الأب الروحي للعلمانية أو اللائكية هو ابن رشد وقد تم تكفيره من قبل الإسلاميين. لا أعلم عن أي مصدر تتحدث، لكن العلمانية واقع وتطبيق يتأقلم مع الجغرافيا والثقافة التي تنتمي إليها الدولة. زمن الفلسفة لم يعد زمننا سيدي".

نحو "علمانية عراقية"

ويعتقد ناصر البهادلي أن "الإشكال هنا ينبع من عدم تحديد العلمانية كمفهوم بشكل واضح، فلذلك نجد الاضطراب في التعريفات والتوصيفات"، موضحاً "حاجة المجتمع العراقي إلى رؤية للعلمانية تختلف بعض الاختلاف عن رؤية العلمانية في المجتمع المصري مثلاً. لكن الرؤيتين ستختلفان بشكل كبير عن الرؤى للعلمانية في المجتمعات الغربية نتيجة اختلاف الخصائص الذاتية للمجتمعات والتي هي مجموعة القيم والأعراف الراسخة فيه. لذا إن كنت أريد للمدنية أو العلمانية النجاح في مجتمعنا العراقي مثلاً، فلا بد من إنتاج رؤية عراقية للمدنية أو العلمانية من قبل مفكري العراق ثم الترويج  لقبولها من المجتمع".

ويرد سمير السوداني "ما يزال البعض، جاهداً، في محاولة إلصاق العلمانية بالفلسفة والأيدلوجية، مع أنّها أسلوب سياسي لحكم الدول ولا علاقة لها بتلك الأمور".

ويعود ثامر الكاهجي إلى أجواء النقاش بالقول "الدين الذي فيه أحكام أسرية واجتماعية وأحكام تكاد تكون مستوعبة لجميع أنماط العلاقات، ألا تتعارض معه العلمانية وهي تريد أن تجعل أحكامها بديلة عن أحكامه؟ ثم كيف ستحاول أن تجعل المجتمع يتبني العلمانية أو المدنية برؤيتك أنت أو غيرك؟ هل فرضاً أم إقناعاً؟". 

تعارض العلمانية مع الدين وليس مع الإيمان؟

ويعتقد أكرم زكي أن "التعارض هو بين العلمانية والدين ولا وجود للتعارض بين العلمانية والإيمان"، مؤكداً في مداخلته أن "العلمانية هي قضية إجرائية تعنى بتحقيق قيم عالمية (أخلاق كونية) تهتم بتأسيس التعايش المدني السلمي بين مكونات المجتمعات التي تختلف فيما بينها بانتماءاتها الدينية والقومية والمذهبية، بحيث تحفظ للجميع حقوقهم كمواطنين في بلدانهم وكبشر على الكرة الارضية. كما تعرّفهم بواجباتهم تجاه إنسانيتهم وحقهم في الحرية والمساواة، مع احتفاظهم باعتقاداتهم الدينية كقناعات شخصية. وهذا الفهم للعلمانية لا يتعارض مع الإيمان حيث يمكن لكل فرد في المجتمع العلماني أن يكون مؤمناً، لكن من دون أن يفرض إيمانه على الآخرين. وهنا يظهر التعارض مع الدين باعتباره منظومة قيم وقواعد متكاملة (سلوك وحياة ودولة) تدعي امتلاك الحقيقة الإلهية وهذا يجعل من جميع الأطراف الأخرى المختلفة باعتقاداتها الدينية محل تكفير ورفض، مما يعيق تحقيق التعايش السلمي".

الصورة: تظاهرة عراقية تدعو إلى إنشاء "دولة مدنية"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".