مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

في لقاء خاص لموقع (إرفع صوتك) مع فضيلة الشيخ والدكتور محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر، نحاول استبيان موقف الإسلام من العلمانية فالكثير يرى أن مؤسسة الأزهر تمثل رأي غالبية أهل السنة والفكر الوسطي المعتدل للإسلام.

س: هل في الإسلام تعريف لمصطلح العلمانية وهل من تعارض بينها وبين الدين؟

ج: الإسلام ليس به كهنوت ولا يعرف معنى العصمة إلا للأنبياء وفقط. وبالتالي فلا يوجد محل في الإسلام للكلام عن العلمانية بتعريفها الذي يفصل الدين عن الدولة والعلم. كما أن الإسلام لا يعرف معنى الدولة الدينية، فالدين بطبيعته علم حتى فيما يتعلق بالشعائر، فإنها تخضع للعلم من حيث أن تحليل نصوص الوحي يتم بناء على مناهج علمية تعتمد على العقل. ليس هناك كذلك مكان للكلام عن الفصل هنا لأن الدين بطبيعته علم والدين يحكم حركة الحياة وكل مظاهرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. لكن هناك فرق بين أن يحكم الدين بمعنى أنه العلم وبين أن نستخدم الدين لأغراض السياسة أو لأغراض الدنيا. وفي هذه الحالة يصبح الدين محكوماً بالأغراض والأهواء بدلاً من أن يكون حاكماً. وهذا هو الفرق الذي يجب أن ننتبه إليه.

س: هل هناك مساحات يمكن أن يلتقي فيها الإسلام بالعلمانية؟

ج: لا يمكن أن تتوافق العلمانية والإسلام لأنه يوجد خلط في الأمور. فلو فهمنا المقصود بالعلمانية والإسلام، نجد أنّه ليس هناك تعارضاً وأيضاً ليس هناك توافقاً، لأن الإسلام لا يفصل بين الدين والدولة ولا بين الدين والعلم. والعلمانية تفصل... والحديث حول التوافق والتعارض بين العلمانية والإسلام غير موجود.

س: هل يفصل الإسلام بين الإلحاد والعلمانية؟

ج: لا شك أن الإلحاد شيء والعلمانية شيء آخر. فالعلمانية تعني الفصل بين الدين والعلم.. وهذه تيارات فكرية تختلف باختلاف مفهوم هذه التيارات من بلد لآخر ومن حضارة لأخرى. فالعلمانية في الغرب مثلاً لها مفهوم ربما ينتهي لرفض الدين مطلقاً، لكن عندنا كثير ممن يؤمنون بنظرية الفصل لكنهم لا يرفضون الدين. أما الإلحاد فهو تيار ينتهي إلى رفض الدين ورفض الإيمان ومحاولة إقامة أدلة على الكفر وما إلى ذلك، وهي قضية مختلفة تماماً عن قضية العلمانية.

س: هل لدى علماء الأزهر مآخذ على مفهوم الدولة المدنية؟

 ج: لا طبعاً. البعض يقول إن الإسلام بطبيعته مدني أو الدولة الإسلامية بطبيعتها دولة مدنية وإن الإسلام لا يعرف فكرة الدولة الدينية. لكن في الحقيقة لو رجعنا لكلمة مدنية، فقد ظهرت حديثاً في عصر التجاريين في فرنسا وأول مرة تدرج كلمة (civil) في قاموس الأكاديمية الفرنسية أظن كانت سنة 1930 وهي بمعنى حضارة، وكانت تعبر عن مرحلة من مراحل التقدم بمعناه المادي وهو التقدم الصناعي. لكن يوجد معنى آخر وهو تقدم تحثه بعض القيم مثل قيم الإنسانية وقيم الحرية سواء الاقتصادية أو الحريات في المجال السياسي والقيم الاجتماعية التي ظهرت في ذلك الوقت.. إذن فكرة المدنية أو الحضارة ظهرت في مرحلة ما ثم صيغت بعد ذلك كمفهوم مطلق يفرض على كافة الحضارات الأخرى.

س: ألا يزال الحكم الإسلامي صالحاً في عصرنا هذا؟

ج: لا شك أن الدين الإسلامي دين كل العصور وكل الأزمنة وهو صالح للتطبيق في كل زمان ومكان. ويكفينا قاعدة التجديد في الإسلام، فالله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها، معنى هذا أن العلماء قادرون على إنزال هذه الأصول والمبادئ العليا الواردة في الإسلام على حكم الزمان لاستنباط الأحكام المناسبة. فكما نعلم تماماً، فإن الفتوى أو الحكم يتغيران بتغير الزمان والمكان والظروف والأشخاص. إذن القضية ليست في النصوص وإنما في العلماء الذين يستطيعون استخراج الأحكام المناسبة لهذا الزمان أو ذاك، وبالتالي فالإسلام بطبيعته مجدد وموافق لكل الأزمنة ولكل العصور.

*الصورة: مستشار شيخ الأزهر الدكتور محمد مهنا/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659  

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".