مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:
"عاشت مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة حراكاً سياسياً وثقافياً واسعاً وظهرت مصطلحات بدت جديدة على آذان المواطنين المصريين، ومن أبرزها مصطلح الدولة المدنية"، بحسب ما يقول مؤسس حركة "علمانيون" أحمد سامر والتي تعد أبرز الحركات العلمانية في مصر.
تأسّست حركة علمانيون في 21 كانون الأول/ديسمبر 2011، وعرّفت عن نفسها في بيانها التأسيسي بأنّها "حركة دعوية فكرية تهدف لنشر الفكر العلماني وتكوين تيار علماني مصري شعبي وغير نخبوي يخرج من رحم الشارع المصري متشبعاً بالفكر العلماني التنويري والروح المصرية".
ولخّصت الحركة هدفها بعلمنة المجتمع المصري ومؤسسات ومجالس الدولة، مشيرة إلى أنّ بعض التيارات الأصولية تهدف لتشويه العلمانية وتقديمها للمجتمع المصري بشكل مغلوط.
مجتمع أكثر انفتاحاً؟
ويقول سامر لموقع (إرفع صوتك) إنّ المجتمع المصري عاش حالة من الانفتاح بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011، "وهو ما خلق لديه قابلية لقبول العديد من الأفكار التي كان مجرد التفكير بها سابقاً يعتبر خروجاً عن العرف، بل وفي بعض الأحيان خروجاً عن الدين".
والآن بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الثورة المصرية وما تلاها من وصول للإسلاميين إلى سدة الحكم ومن بعدها الإطاحة بهم، يعتقد سامر أن الممارسات السلبية لتيارات الإسلام السياسي وظهور تنظيمات متطرفة كداعش وغيرها ساهمت كثيراً في اتجاه الشباب نحو المفاهيم المضادة للإسلام السياسي وهي الأفكار العلمانية.
ويشير إلى وجود نخبة كبيرة من السياسيين والمثقفين التي تقر بالعلمانية، لكنها تتخوف من إعلان ذلك، مؤكداً أنّه "يوجد شباب جديد ونخبة حقيقية تتشكل في هذه المرحلة وهي من ستقوم بتشكيل واقع علماني مختلف".
الدستور والعلمانية
تبدو الصبغة الدينية مباشرة في الدستور المصري، حيث تنصّ المادّة الثانية على أنّ “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”.
وحول ما إذا كان الدستور المصري الحالي يعكس مفهوم الدولة المدنية، يقول سامر لموقع (إرفع صوتك) إن "هناك مواد متناقضة في دستور 2014، فالمادة الثانية تقول إن الإسلام دين الدولة، فيما تقول المادة الثالثة إن لغير المسلمين من المسيحيين واليهود الاحتكام إلى شرائعهم. وهذه كلها مواد دينية".
ويشير إلى أن المادة 64 تنص على أنّ "حريّة الاعتقاد مطلقة" وأنّ "حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون".
لكنّه يضيف "للأسف، الدستور المصري لا يعترف إلا بثلاثة أديان هي الإسلام والمسيحية واليهودية. وبشكل أو بآخر فإن الدستور الحالي يشكل انعكاساً للواقع وهو حائر بين أن ينحاز للعلمانية أو العودة للأصولية، وبالتالي لا يمكن القول إنه دستور ديني أو مدني وعلماني تماماً، بل هو يتأرجح بين النقيضين".
بين الدستور والشريعة
يتعارض رأي المستشار محمد الوصيف، رئيس حزب مصر الفتاة ورئيس مجموعة المستشارين العرب للبحوث والدراسات، مع رأي سامر، حيث يقول إنّ "الدستور لا يناقض نفسه حين ينص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع. فالشريعة لا تتنافى مع الديمقراطية التي تسع الجميع".
ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن "في مصر علمانية مفترضة وليست حقيقية لأن غالبية الشعب من المسلمين. وحين ينص الدستور على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة فلا يعني هذا أن الدستور الحالي خرج عن الدساتير العالمية، وبالتالي فالدولة المصرية وبحكم تعاليم الإسلام هي دولة مدنية تجمع بين تطبيق مفهوم الدولة الإسلامية والدولة الديمقراطية الحديثة".
لكن المستشار أحمد عبده ماهر المحكم الدولي، أحد مؤسسي حركة مصر المدنية، يرى في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أنّ "الدستور لا يعكس مفهوم الدولة المدنية وإنما يعكس صورة تضع رجال الدين في الصدارة"، مشدداً على أن الدولة المدنية هي دولة الإبداع والحريات والانفتاح.
ويضيف أن "شريحة ضيقة جداً هي من تعرف الفارق بين العلمانية والإلحاد. والصورة المطبوعة في أذهان الكثيرين هي أن العلماني كافر والليبرالي منحل".
مصر دولة إسلامية..
الدكتور صلاح فوزي أستاذ القانون والدستور كان عضواً في لجنة العشرة التي وضعت أسس دستور 2014. ويقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ "مواد الهوية في كل الدساتير تنص على أن مصر دولة إسلامية وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ويضاف إلى هاتين المادتين بمواد الهوية في الدستور الحالي ما يدلل على مدنية الدولة كالمادة الخامسة التي تنص على أن النظام السياسي يقوم على التعددية السياسية والحزبية وأن الشعب هو مصدر السلطات".
ويضيف فوزي أن صياغة الدستور تؤكد هذا المعنى حيث تضمنت الإشارة إلى مدنية الحكومة فأشهر تعريفات الحكومة أنها النظام السياسي للدولة، "وبالتالي فهناك فرق واضح بين أن الإسلام دين الدولة وأن الحكومة مدنية"، مشيراً إلى أن "المادة الأولى من دستور 2014 تنص على أن مصر دولة نظامها جمهوري وهذه دلالة على طبيعة النظام السياسي".
*الصورة: تصويت المصريين على التعديلات الدستورية/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659