بغداد – بقلم ملاك أحمد:
قد يصادفك وأنت تتجول في أحياء وشوارع العاصمة بغداد ملصقات على جدران المباني تدعو المسيحيات العراقيات لارتداء الحجاب. والملصقات عبارة عن صور لمريم العذراء كتب عليها "لماذا مريم العذراء عليها السلام محجبة؟ إنَّ مريم العذراء محجبة لأنها سنن الأنبياء ولأنها تصدر من مكان واحد ومن رب واحد هو (الله سبحانه وتعالى)، لكن الشيطان لا يرضيه هذا فعليكِ الاقتداء بالسيدة مريم العذراء فلماذا لا تلبسين الحجاب؟".
وتقول في ذلك، نسرين يوحنا، البالغة من العمر 30 عاماً، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أخاف ألّا يكون لي حرية شخصية لارتداء ما أرغب به في بغداد قريبا".
هوية دينية
ستطالعك أيضاً في بغداد لافتات ملصقة على الحواجز الخرسانية أو لوحات إعلانية كبيرة في الساحات وعلى أرصفة الشوارع الرئيسة وقرب الجامعات والأسواق المحلية تضم صوراً لنساء محجبات وتتضمن عبارات وأحاديث دينية تنصح المسلمات بارتداء الحجاب أو عدم مصافحة الرجال.
وتقول زينب عبد المطلب، وهي في العقد الرابع من عمرها، لموقع (إرفع صوتك) "نحن ندرك طبيعة ما يجري. الأحزاب والجماعات الدينية تسيطر على كل شيء وتتدخل بالحريات الشخصية وتفرض الكثير من الشعائر والتعاليم الإسلامية على السكان مهما كانت توجهاتهم ومعتقداتهم".
عبد المطلب التي لا تضع الحجاب على رأسها، تعرضت لمضايقات عديدة في الشارع وفي مؤسسات حكومية بسبب ذلك، وترى أنّ "هذا الضغط يعكس كثيراً من الأمور غير المعلنة حول منح العاصمة هوية دينية".
ارتداء الألوان إهانة لبعض المذاهب
وعند تجوالك أيضاً، قد تصادف الكثير من الناس في أيام المناسبات الدينية يرتدون أكفان الشهادة وهم يعتزمون الوصول لمراقد الأولياء سيراً على الأقدام.
وتقول نور علي، وهي طالبة جامعية في العقد الثاني من عمرها، إنّ رجلاً اعترض طريقها وطلب منها احترام الشعائر الدينية في إحدى المرات عندما كانت تسير في الشارع أيام عاشوراء وطلب منها أن تبدي حزنها بارتداء اللون الأسود.
وأشارت في حديثها إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أنّها كانت ترتدي حجاباً أحمر اللون، "ويعد ارتداء الألوان من مظاهر الإهانة لبعض المذاهب في هكذا مناسبات، وهو ما يتنافى بنظري مع المبادئ المدنية للعاصمة".
مشفى للعلاج الروحاني
من المظاهر الأخرى التي تعطي للعاصمة بغداد طابعاً دينياً انتشار بعض المباني التي تعلو أبوابها ومداخلها لافتات كتب عليها "مشفى للعلاج الروحاني". هذه المشافي انتشرت بالآونة الأخيرة بشكل كبير ويديرها رجال دين يخشاهم البعض وغيرهم يؤمنون بمعتقداته.
"تعتمد هذه المشافي في علاج المرضى عبر تلاوة القرآن لإخراج المس (الجن) من أجسادهم، باعتبارهم قد تعرضوا للسحر الأسود أو الحسد"، حسب ما يقول جاسم محمد، في العقد الثالث من عمره، وهو أحد مرتادي هذه المشافي.
ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "خلال جلسات متكررة ووفق تسعيرة مالية معينة، يفرض المعالج على المريض الالتزام بتعاليم الدين الاسلامي بجدية مثل الامتناع عن سماع الأغاني والالتزام بالصلاة وارتداء الزي الإسلامي للمرأة لغرض الشفاء وإلا سيعود المس للمريض أو المريضة بطريقة تكون مرعبة قد تؤثر على الحياة والرزق".
يشير إلى أنّه ارتاد هذا المشفى لمعالجة آلام في الظهر لم يكن يعرف مصدرها وأنّه فضل العلاج الديني لأنّه سمع من صديقه عن مدى فعاليته. "لا أستطيع أن أقول إنّي وصلت إلى النتيجة التي أريدها، لكن الشفاء الكامل يحتاج إلى وقت وإلى تغيير أسلوب حياتي".
الدستور العراقي يكفل الحريات الشخصية
وتطرح هذه المظاهر التي اعتاد الناس على مشاهدتها أسئلة حول اختزال الهوية الدينية للعديد من معالم الحياة المدنية في العاصمة، خصوصاً وأن بعض أهالي بغداد يعتقدون أنها بدأت تحولها تدريجياً إلى عاصمة دينية.
وتعتقد الناشطة جنان حسن وهي عضو في منظمة المرأة العراقية إنّ "ما يجري في البلاد من توجهات عقائدية ما هي إلا محاولات لطمس المبادئ المدنية وتجريمها. فقد شهدنا الكثير من المطالبات المدنية التي ترفض أي جهة حكومية الامتثال لها".
وتشير في حديثها لموقع (إرفع صوتك) إلى أنّ الدستور العراقي، في مادته الثانية ينصّ على أنّه "لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور"، وفي المادة 14 على أنّ "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بين الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي".
وتضيف حسن "لقد فرضت مثلاً الكثير من السلوكيات العقائدية منها الفصل بين الجنسين في المدارس وارتداء الزي الإسلامي وتضييق الخناق على النوادي وغيرها من الأماكن الترفيهية، وهذا أمر يتنافى مع الدستور العراقي".
هوية المجتمع
أما الخبير الاجتماعي ضياء الجصاني، فيقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ "المعالم المدنية والمبادئ العلمانية أصبحت مستهدفة في موجة من السلوكيات التي تفرض على المجتمع من قبل الجماعات الإسلامية المتمثلة بالأحزاب الدينية ورجال الدين في البلاد ".
ويضيف الجصاني "تعميم تحديد نوع الألبسة وفق تعاليم الدين الاسلامي وتضييق الخناق على النوادي ومنع الغناء وحشر الدين وهويته في كل صغيرة وكبيرة وامتلاء الشوارع والأحياء بملصقات دينية والتدخل بالحريات الشخصية سيؤدي حتماً إلى تغيير هوية المجتمع التي رسخت المبادئ المدنية وتحويلها إلى دينية".
*الصور: "لقد فرضت مثلاً الكثير من السلوكيات العقائدية منها الفصل بين الجنسين في المدارس وارتداء الزي الإسلامي"/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659