الأردن – بقلم صالح قشطة:

يحمل المجتمع الأردني طابعاً دينياً يشكل مكوناً أساسياً في تركيبته، على الرغم من أن النظام السياسي أقرب إلى المدنية. ويتحدّث الناشط الاجتماعي والخبير الإعلامي بشار شرف، المعتمد من قبل هيئة الإعلام البريطانية للتدريب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لموقع (إرفع صوتك) عن خصوصية المجتمع الأردني.

علمانية شرقية

يرى شرف في الأردن نموذجاً للدولة العلمانية الشرقية، والتي لها خصوصية في بعض الجوانب التي تشكل شخصية مواطنيها. منوهاً إلى أن "معظم القوانين المعمول بها في الأردن قوانين وضعية وليست مندرجة من تعاليم دينية، إلّا فيما يخص قوانين الميراث والزواج".

ويضيف أن "تعامل الأردن مع الدول الأخرى غير قائم على مبادئ دينية، فلن تجد وزير الخارجية يرفض أن يلتقي بنظيرته الأجنبية إلّا إذا غطت رأسها، كما هو الحال في دول تصف نفسها بالدول الإسلامية. كذلك فالحرية الدينية مكفولة في الأردن"، مشيراً إلى الدستور الأردني والذي يراه شرف عادلاً حيث أن "الأردنيين متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم أو نسبهم أو عرقهم".

كما يعتقد شرف أن الحدّ من بعض الحريات ليس له علاقة بالدين، بقدر ما هو له علاقة بالعادات والتقاليد. ويعطي مثالاً "عندما يوقف شرطي من يقومون بأفعال تخدش الحياء. فهو لا يوقفهم لأن فعلهم حرام، وإنما يوقفهم لأن فعلهم مرفوض اجتماعياً ويقع في خانة الأفعال المستفزة للمجتمع".

ارتباط الدين بالتشريعات

وعن خصوصية ما يتعلق بالدين لدى المجتمع الأردني، ومدى ارتباط بعض القوانين والتشريعات به، يوضح الخبير "علينا ألا ننسى ارتباط ثقافة المجتمع بالإسلام، وحتى بالنسبة للمسيحين، فكما وصف محمود درويش مسيحيي هذا المجتمع بأنّهم مسيحيو الديانة ومسلمو الثقافة. وعليه فإني أعتقد أن المشرّع الأردني تأثر بهذه الثقافة كونه ابن هذا المجتمع، ولذا نرى الدين مادة تدرس في المدارس ونرى أن هناك أنظمة تطبق في شهر رمضان، وأن عملية ارتداد المسلم عن دينه هي عملية مرفوضة".

جرائم الشرف

وكما يوضح شرف "هناك مغالطات كبيرة تأثر بها الإسلام رغم أنه منها براء، مثل قانون جرائم الشرف، والذي عندما بحثته إبان عملي الصحافي، وجدت أن هناك فهماً خاطئ بأن الإسلام يشرع قتل الرجل للمرأة في حالات الخيانة الزوجية"، متابعاً "إلا أن الحقيقة التي توصلت لها هي أن قانون جرائم الشرف الذي يخفف العقوبة على الزوج القاتل هو قانون فرنسي الأصل، أتى من جانب في القانون الفرنسي يطلق عليه "كود نابليون". والقصة مرتبطة بجنود نابليون الذين كانوا يغيبون عن زوجاتهم في الحروب لفترات طويلة، حيث كان بعضهم يعود فيكتشف خيانة زوجته له فيقتلها، ومن بعدها يحكم عليه بالإعدام. وبالتالي خسر نابليون العديد من جنوده، ففرض هذا القانون ليخفف العقاب ولا يخسر جنوده!".

العلمانية في الأردن

وعن عدم ظهور حركات علمانية بشكل صريح وفعال في المجتمع الأردني، يوضح شرف لموقع (إرفع صوتك) أنّ "هناك فهماً خاطئاً وسائداً بأن العلماني هو عدو للدين بالضرورة. وكما قلنا بأن الدين جزء من ثقافة المجتمع، وبالتالي فإن ذلك الفهم الخاطئ يظهر العلماني وكأنه في حالة عداء مع المجتمع ككل، مما يجعله يجنب نفسه حرباً هو في غنى عنها".

ويختم شرف حديثه برأيه فيما يخص تشكيل أحزاب وتيارات سياسية على أسس علمانية، قائلاً "لست مطلعاً على كل الحركات العلمانية في الأردن، لكني لا أؤيد أن توضع العلمانية في إطار حركات سياسية أو أحزاب، فهذا سيضعها في حالة ندية مع الأحزاب الأخرى، لا سيما الدينية"، موضحاً "العلمانية برأيي واقع ينفذ بفعل ما تسير به الأمور في العالم أجمع، لكني أتوقع مستقبلاً نشهد فيه دعماً من المجتمع للتوجه العلماني كردة فعل لممارسات بعض الجماعات الدينية، التي رفضها المجتمع، وأصبحت لديه خشية من أن يتحول الواقع لديه من مجتمع مدني آمن إلى مجتمع غارق بدماء الأبرياء".

*الصورة للأردني بشار شرف/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".