بقلم خالد الغالي:
يعد الإسلاميون والعلمانيون في الدول العربية بدولة مدنية. ويبدو كما لو أن هناك توافقاً بين الطرفين حول هذا الشعار. لكن هل يملك الإسلاميون والعلمانيون التصور ذاته للدولة المدنية؟ وكيف ينظر الفريقان إلى موقع الدين في الدولة المدنية؟ أليست الدولة المدنية، في الواقع، مجرد صيغة مقنعة من العلمانية؟
تقارب إسلامي علماني
يتفق الطرفان معاً على تعريف الدولة المدنية انطلاقاً من نقيضيها: الدولة الدينية والدولة العسكرية. يقول عضو البرلمان المغربي عن حزب العدالة والتنمية الإسلامي، عبد العالي حامي الدين في تصريح لـ(إرفع صوتك) "بلور التيار المجتهد داخل الحركات الإسلامية هذا المفهوم بالمقارنة مع الدولة الدينية، التي ظهرت في سياق خاص ميز الدول المسيحية".
ويتابع "هناك عنصران في الدولة المدنية، وهي أنها نقيض للدولة الدينية، حيث لا توجد فيها طبقة دينية تمارس الحكم، وهي أيضا نقيض الدولة العسكرية الاستبدادية".
ويؤكد القيادي الإسلامي أن "الحاكم، في التاريخ الإسلامي، كان دائماً مدنياً".
يلتقي الإسلاميون والعلمانيون أيضاً عند بعض خصائص الدولة المدنية، من قبيل سمو الدستور، واعتبار الشعب مصدر السلطات، والتداول السلمي للسلطة.
يقول وزير حقوق الإنسان التونسي السابق والناطق باسم الحكومة في عهد حركة النهضة، سمير ديلو لـ(إرفع صوتك) "الدولة المدنية، في نظرنا، هي الدولة التي تكون فيها العلوية والمرجعية لدستور البلاد. ويكون فيها فصل واضح للسلطات. ويكون الحكم قائماً على التداول السلمي ومرجعية الانتخابات".
يؤيده في ذلك الناطق الرسمي السابق باسم حزب التكتل التونسي (علماني)، محمد بالنور، قائلاً "الدولة المدنية دولة تحكمها المؤسسات وليس الأفراد. وتدار عبر التداول السلمي وفق عملية انتخابية، سلمية شفافة".
لكن عبد العالي حامي الدين يعتبر أن النقاش حول الدولة المدنية تحسمه الممارسة أكثر من النصوص والمفاهيم النظرية. يقول القيادي في حزب العدالة والتنمية "كلما توفرت شروط الانفتاح السياسي، وأعطيت للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية فرصة تدبير الشأن العام، كلما تعززت الإمكانية لخلق مساحات مشتركة مع الآخر. في المقابل، كلما كان هناك انغلاق، كلما تشبث الإسلاميون بأطروحاتهم النظرية حول الدولة الإسلامية".
ويتابع "هذا واقع حزب العدالة والتنمية في المغرب الذي اقتبس، مع الممارسة، تطبيقات يمكن أن تكون حتى علمانية. فالموضوع ليس نظرياً فقط، بقدر فيه للجانب التطبيقي العملي أهمية أكبر".
الدين هوية
يكاد الإسلاميون والعلمانيون يبدون متفقين على حصر الدين في الدولة المدنية في "قضية هوية".
يقول أستاذ القانون بجامعة تونس، محمود حسن "تعتمد الدولة المدنية الدين كتعبير عن الاعتراف بهوية المجتمع، وانتمائه وبعده الديني. لكن، لا يصل الأمر إلى مستوى تأطير الدين للفعل السياسي".
وبدوره، يقول القيادي في حزب التكتل، محمد بالنور "رغم أن الدولة المدنية تحكمها مؤسسات مدنية لا دينية، إلا أنها تأخذ بعين الاعتبار هوية المجتمع الدينية. أما الدولة العلمانية، فهي دولة لائكية بشكل صريح، لا تراعي الدين في قوانينها ومؤسساتها السياسية. وهي الخطوة التي لم نصل إليها في تونس".
ومن جهته، يصرح القيادي في حركة النهضة سمير ديلو "أن تكون للدين مكانة خاصة في الدستور، لا يعني أن الدولة دينية. في تونس، يشير الدستور الحالي إلى الهوية العربية الإسلامية للبلاد، ورغم ذلك، تبقى تونس دولة مدنية".
علمانية مقنعة؟
تؤكد التصريحات السابقة على وجود نوع من التمييز في الدولة المدنية بين المجالين السياسي والديني. أفلا يجعلها ذلك أشبه بعلمانية غير معلنة؟
"هذا صحيح. إذا كان الأمر يتعلق بالجوهر، فنعم. لكن كلمة العلمانية ثقيلة. ولها حمولة تاريخية قوية، كما أنها ولدت في سياق معين، لذا من الصعب تبيئتها"، يقول عبد العالي حامي الدين.
ويتابع "العلمانية مصطلح ثقيل. وقد تطورت في السياق الغربي من داخل التجربة المسيحية، لرسم حدود تدخل الإكليروس في الدولة. تم ذلك من أجل الفصل بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية. وليس فصل الدين عن الدولة بالكامل".
ويؤكد محمود حسن "بالفعل، هناك نفحة من العلمانية" في الدولة المدنية.
لكن كلاً من عبد العالي حامي الدين ومحمود حسن يتفقان على أن التمييز بين السياسي والديني لا يقتصر فقط على التجربة العلمانية الغربية.
يقول القيادي الإسلامي "التجربة التاريخية عند المسلمين تؤكد بدورها على وجود تمييز بين الشأن الديني والشأن السياسي الدنيوي القابل للاجتهاد، لكن هذا التمييز لا يصل إلى درجة الفصل الحاد".
ويقول أستاذ القانون بجامعة تونس "حتى بالنظر إلى تجربتنا التاريخية ومرجعتينا الدينية، لا نجد تنافياً بين الإسلام والعلمانية، فالدولة الإسلامية كانت مدنية منذ عصورها الأولى".
لكن، ما دام التمييز بين الديني والسياسي قائماً في الدولة المدنية، ألا يبدو رفع العلمانيين والإسلاميين لهذا الشعار مجرد محاولة للهروب من استعمال كلمة العلمانية، خاصة أن الطرفين معاً لا يتفقان لحد الساعة على تعريف واضح للدولة المدنية؟
"بالفعل، يمكن قول ذلك. الدولة المدنية مفهوم حديث جاء نتيجة للتوافق السياسي. وغياب تعريف دقيق ومتوافق عليه يوحي بأن الطرفين رفعا هذا الشعار كنوع من الاستراتيجية. نترك المجال للممارسة، فهي التي يمكن أن تفرز تدقيقاً أكثر للمفهوم، كما يمكن أن تفرز تباينات وتمايزات تبعا للتجربة السياسية هنا وهناك"، يقول محمود حسن.
* الصورة: في سياق ما بعد الربيع العربي، بدا شعار الدولة المدنية محل توافق بين الإسلاميين والعلمانيين/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659