بقلم علي عبد الأمير:

على الرغم من أن التلاقي بين الإسلام والعلمانية يبدو مستحيلاً عند كثيرين ممن عملوا في الإطار الفكري والسياسي، إلّا أنّه يبدو ممكناً بحسب وجهة نظر رجل الدين الشيخ غيث التميمي، وهو الناشط في مجال الفكر الديني ومحاولة إيجاد قراءة عصرية له، مما جعله شخصية مثيرة للجدل بين الأوساط الإسلامية والعلمانية على حد سواء.

الدين ومسيرة الحضارة الإنسانية

يعمد التميمي إلى أخذ الإيمان من إطاره الديني نحو أفق روحي أوسع، فيقول في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) إنّ "مفهوم الإيمان لم يعد مفهوماً جامداً أو لاهوتياً. الإيمان يعبر عن التوحد مع البعد الثالث للحياة، ويشتمل الإيمان أيضاً على الهوية، باعتبار أن الأديان الفاعلة في العالم ومنها الإبراهيمية، يجعلها تتحول إلى هوية اجتماعية أكثر من عملية روحية. ومن هذا المنطلق، تجد أن الإيمان أصبح موضوع دراسات العلوم الإنسانية وهو أحد مصادر إلهام الفنون التشكيلية والموسيقى والنحت، بالإضافة إلى كونه أحد عناصر التخطيط الاستراتيجي سياسياً واقتصادياً وأمنياً".

وتأسيساً على هذا، يضيف التميمي "لذلك فالعلمانية بوصفها رؤية متكاملة للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية معنية في معالجة هذا الجانب في الإنسان، لكن يبقى السؤال الأهم إلى أي مدى يتفاعل (الدين)، وهنا الحديث عن الدين وليس (الإيمان)، مع حضور العلمانية باعتبارها تطوراً إنسانياً طبيعياً يتصل بمسيرة الحضارة الإنسانية؟".

من أجل "مجتمع مسلم علماني"

ويخلص التميمي إلى القول "بتصوري أن توقف الجدل الفكري والفلسفي في المؤسسات الدينية التقليدية يجعل العالم الإسلامي ضحية لسلفية المرجعيات الفقهية التي تعتمد الإفتاء أسلوباً وحيداً لتعبئة الجماهير دون إقناعهم ودون حاجة لمواكبة العصر، لأن أدوات الفقيه نصوص التاريخ، بينما أدوات المفكر والفيلسوف هي العقل والتفكير البرهاني. من هذا البعد تحديداً، تجد طبيعة الإشكال بين الدين والعلمانية. وبتصوري إنّه إشكال يدعو الطرفين (الإسلام والعلمانية) إلى حوار جاد خارج منطق الغلبة والاستقواء، من أجل تأسيس المجتمع المسلم العلماني والتخلص من المجتمع المسلم الإسلاموي لتحقيق السلم الأهلي وإطلاق مشاريع التنمية المستدامة في المجتمع".

الدولة المدنية لن تقوم إلا بوجود علمانية

ومن أجل حلول عملية، يشدد ناشط ضمن مجموعة "نريد أن نعرف" على "فيسبوك" وضمن مداخلات تتعلق بسؤال موقع (إرفع صوتك) حول بناء مجتمعات مدنية، واختار اسماً مستعاراً له هو "الباشا البغدادي"، على ضرورة أن " تكون الدولة كمؤسسة تكون محايدة لا تتبع أي دين أو معتقد، وتمنع فرض أي دين أو تعاليم أو ممارسات دينية على الشعب من قبل أي جهة كانت".

وحول الحملات التي تتعرض إليها دعوات كثيرة منها دعوته إلى العلمانية كحل لبناء المجتمعات، يقول "العلمانية تحاربها أحزاب الإسلام السياسي لأنها تهز عروشهم وعروش لصوص الله، أمّا من يقول إن الدولة المدنية تختلف عن العلمانية، فهذا إما قلة معرفة أو إفتراء لصالح اللصوص ومحاولة لطمس الحقيقة. الدولة المدنية لن تقوم إلّا بوجود علمانية تحميها وهما لا يفترقان أبداً. الدولة هي عبارة عن مؤسسات لا تصلي ولا تصوم ولا تحج، وما كانت بدعة الدستور (الإسلام دين الدولة) إلّا كذبة أريد منها استخفاف عقول الناس والضحك على الذقون، حتى يتم شراء ود الناس كي ينتخبوا الأحزاب الإسلامية وفاسديها وفاسقيها ديناً وأخلاقاً".

وفي الإطار ذاته المتعلق باستجابات ناشطي مجموعة "نريد أن نعرف" لنقاش موقعنا، يقول سهيل كبّه الذي يطلق على نفسه اسم (أبو فرات)، إنّ "العلمانية طريقة حكم ابتدعتها العقول المتنورة لإبعاد رجال الدين وسطوتهم ورفض جورهم السياسي، والعلمانية ليست مسطرة وتعليمات بل هي سلوك مجتمعي لحفظ الدولة والأفراد من خلال عقد اجتماعي، وقوانين شاملة جامعة ليس لها مساس بعقائد الأفراد وعباداتهم، بل بمعاملات الأفراد".

 وينهي (أبو فرات) مداخلته بالقول "سيحسم الصراع لصالح استقرار الدولة، دولة مدنية تأخذ بالاعتبار تطور المجتمع وعاداته وإمكانية التطور اللاحق".

الصورة: مظاهرات في بغداد تطالب بالإصلاح/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".