بقلم خالد الغالي:

يحمل الملك في المغرب صفة "أمير المؤمنين"، وهو وحده المخول دستورياً بالجمع بين صلاحيات دينية وسياسية. ويمارس الملك سلطاته الدينية بواسطة ظهائر (مراسيم ملكية).

على الرغم من ذلك، لا تصنف المملكة المغربية على أنها دولة دينية. ويوجد فيها علمانيون يحملون تصورات مختلفة لعلاقة إمارة المؤمنين كمؤسسة دينية بالعلمانية التي يطالبون بها. بعضهم لا يتصور أي توافق بين المؤسستين، فيما يقترح آخرون صيغاً خاصة للتعايش.

كيف يمكن الحديث عن العلمانية في بلد تحكمه إمارة المؤمنين ويجمع فيه الملك بين الصفة الدينية والسياسية؟ موقع (إرفع صوتك) طرح السؤال على سياسيين وأكاديميين.

هل التعايش ممكن؟

يعتقد حمزة محفوظ، وهو من أوائل الشباب الذين خرجوا في المغرب سنة 2011 للتظاهر بالموازاة مع موجة الربيع العربي، أنّه "لا حديث عن الديمقراطية في بلد يجمع فيه الحاكم بين مختلف السلطات، خاصة الدينية والسياسية".

وعرف المغرب سنة 2011 احتجاجات قادتها حركة 20 فبراير، طالبت بالإصلاحات ولم تطالب بإسقاط المؤسسة الملكية.

يقول حمزة محفوظ في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "عندما خرجنا في 20 شباط/فبراير 2011، رفعنا شعار "الفصل 19 يطلع برا" وطالبنا بإلغائه من الدستور. كان يظهر لنا أن جمع الملك بين السلطة المدنية والدينية يمثل حاجزاً لبناء دولة ديمقراطية".

وكان الفصل 19 من الدستور السابق يتطرق إلى السلطات الدينية والسياسية للملك، قبل أن يتم تقسيمه مع الدستور الجديد (2011) إلى فصلين أحدهما يتعلق بصلاحيات الملك الدينية باعتباره أميراً للمؤمنين والآخر إلى صلاحياته المدنية كرئيس للدولة.

لكن، في الوقت الذي يرى في حمزة محفوظ أن لا حديث عن الديمقراطية في بلد يجمع رئيسه بين صفات دينية وسياسية، يرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، عمر الشرقاوي، العكس تماماً.

ينطلق الشرقاوي من أن تخويل الدستور للملك وحده الجمع بين الصفتين الدينية والسياسية يحول دون سعي الفاعلين الآخرين في الحقل السياسي (حكومة، أحزاب، برلمانيون..) إلى الجمع بين الصفتين، وبالتالي ضمان ممارسة مدنية علمانية، على الأقل، في المستويات الأدنى.

يقول أستاذ القانون الدستوري لموقع (إرفع صوتك) "إمارة المؤمنين يمكن أن تتحول إلى حامي للعلمانية في المغرب. فالملك هو وحده يجمع بين الصفتين الدينية والسياسية، بينما لا يمكن لأي من الفاعلين السياسيين الآخرين ذلك. وبناء على هذا الأساس، صدرت قوانين تحول دون الخلط بين المجالين الديني والسياسي، مثل قانون الأحزاب الذي يمنع تأسيس أحزاب سياسية على أساس ديني أو عرقي".

ويضيف الشرقاوي أن حصر الدستور للجمع بين الصفتين السياسية والدينية على مستوى الملك يسمح له، بصفته أميراً للمؤمنين، بالتدخل وممارسة وظيفة التحكيم في المواضيع التي تجمع بين المجالين الديني والسياسي، ويمكن أن تتحول إلى ساحة للاستقطاب في البلاد، مثل النقاش الحاد الذي نشب حول مدوّنة الأحوال الشخصية سنة 2000 أو حول الإجهاض العام الماضي.

إمارة المؤمنين والاستغلال السياسي

لكن إذا كان حصر الصفتين السياسية والدينية في يد الملك يضمن عدم خلط باقي الفاعلين بين الدين والسياسة، أفلا يمكن أن يقوم الملك نفسه باستغلال صفته كأمير للمؤمنين في الصراع السياسي؟ خاصة أنه يظل الفاعل السياسي الأول في البلاد ويتمتع بصلاحيات واسعة.

واعتمد الملك الحسن الثاني صفته الدينية كأمير للمؤمنين، سنة 1983، لوصف انسحاب نواب حزب الاتحاد الاشتراكي من البرلمان، بأنه "خروج عن جماعة المسلمين". وقبل ذلك، قام المغرب بحظر الحزب الشيوعي المغربي بناء على خطاب للملك محمد الخامس قال فيه إنّ "المبادئ المادية لا تتلاءم مع إيماننا".

يؤكد عمر الشرقاوي أن إمارة المؤمنين يمكن توظيفها في بعض الممارسات السياسية لإدماج أو إقصاء فاعل سياسي، لكن هذا لا يعني ضرورة إلغائها بالكامل. "استغلال مقتضى دستوري في غير محله، لا يعني إلغاءه بالمرة"، يقول أستاذ القانون الدستوري.

أما السياسي والناشط في المجتمع المدني موليم العروسي فيرى في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أنه لمنع استغلال إمارة المؤمنين في الصراع السياسي، فإن إصلاحاً دستورياً، يفصل بوضوح بين الصفتين السياسية والدينية للملك، يبقى أمراً حتمياً.

يقول العروسي، وهو أيضا أستاذ جامعي للفلسفة، "إذا كان هناك إصلاح دستوري يفصل بين الدين والدولة، ويقوم فيه الملك بصفته الدينية كأمير للمؤمنين، بتدبير الشأن الديني في مجالات العبادات والإفتاء وإدارة المساجد، دون أن يصدر تشريعات مستمدة من الدين، فحينها يمكن الحديث عن التعايش بين العلمانية وإمارة المؤمنين".

ويشير العروسي إلى المثال البريطاني، "حيث تعتبر الملكة إليزابيث الثانية رئيسة للكنيسة الأنغليكانية، لكنها لا تستغل هذه الصفة للتشريع في المجال الديني".

ويتابع "أما إذا ظل الملك يمارس التشريعات في المجال الديني بواسطة الظهائر، فلا يمكن الحديث أصلاً عن العلمانية. العلمانية تقوم أساساً على الفصل بين المؤسستين الدينية والسياسية".

*  الصورة: الملك في المغرب هو الوحيد المخول بجمع صفات دينية وسياسية/وكالة الصحافة الفرنسية.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.