المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
تختلف رؤية المغاربة لمفهوم العَلمانية كل حسب منظوره، فينقسمون بين مؤيد لوجودها كنظام حكم ونمط عيش، لما تتيحه من مجال أوسع للحريات والعيش المشترك، ومعارض لها باعتبارها خطر يهدد الإسلام الذي بنيت عليه الدولة في الدستور والأعراف.
وتعني العَلمانية فصل الدين عن الدولة والحكم أو فصل المؤسسات الدينية عن السلطة السياسية. وقد تعني أيضاً عدم قيام الحكومة أو الدولة بإجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية، غير أنه في المغرب فكل يرى العَلمانية حسب تصوره ودرجة فهمه لها.
المغاربة والعَلمانية
وقد استقى موقع (إرفع صوتك) آراء عدد من المغاربة ونظرتهم للعلمانية ومدى قبولهم بها في بلادهم.
وفي هذا الصدد، تقول مليكة الراضي، صحافية، لموقع (إرفع صوتك) إنّ "العَلمانية لا يمكن أن يُعتد بها كنظام حكم في المغرب، لأننا دولة إسلامية، والدين يأتي في المرتبة الأولى. فالفرد يمارس الدين في السياسة وفي الاقتصاد. ومؤخراً، بتنا نتحدث عن البنوك الإسلامية. وبالتالي لا يمكن أن نفصل الدين عن الحياة اليومية، فكل ما نقوم به في حياتنا نستلهمه من الدين الإسلامي. مثلاً الملك عند افتتاحه للدورات التشريعية للبرلمان يبدأ بالبسملة والصلاة على الرسول محمد، وهو في قبة البرلمان، القبة التي تتداول السياسة بامتياز. وهو ما يؤكد أن العَلمانية في المغرب لا يمكن التحدث عنها أو قبولها".
العَلمانية ضامن للاستقرار
يتّبع المغرب بحسب ما ينصّ دستوره "نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية". ويرد في الفصل الأول من أحكامه العامة "تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي". أمّا الفصل الثالث من الدستور، فيشير إلى أنّ "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية".
يرأس الملك، الذي يُشار إليه كأمير المؤمنين في المغرب، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. وبحسب الفصل 41 من الدستور، "يعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسمياً، في شأن المسائل المحالة إليه، استناداً إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده السمحة".
ويمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصرياً، بمقتضى هذا الفصل.
ويقول الناشط المغربي إدريس المهدالي في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ "العَلمانية هي الضامن الحقيقي لاستقرار بلدنا الذي أحياناً تطفو إلى سطحه بعض النعرات القبلية والتطرف الديني".
ويرى أن تطبيق العلمانية كنظام وكمفهوم مشترك بين الناس "يضمن على الأقل لنا كمواطنين مغاربة أن نمارس شعائرنا الدينية كل على أريحيته من دون أي وصاية، فالمسلم يصلي في مسجده والمسيحي يرتاد كنيسته ويتعبد اليهودي في معبده دون أي تدخلات أو أي حرج ويسود القانون فوق كل شيء".
ويضيف أن "لا حق للجماهير أن تعاقب شخصاً ما نيابة عن الدولة كسلطة لها الحق في العقاب من أجل خير الجميع حسب القوانين المنصوص عليها في القانون المدني الوضعي".
ويردف المهدالي الذي يعمل أستاذاً للغة الإنجليزية، في حديثه للموقع، "العَلمانية تحترم حق الأقليات في ممارسة حريتها دونما حرج، طبعاً في حدود اللائق والمقبول، كما تقضي بفصل الدين عن السياسة".
ويشير إلى أنّ "السياسيين ذوي المرجعية الدينية يجب أن يمارسوا السياسة بما فيه خير للوطن والمواطنين وليس بما يكسبهم أجراً"، قائلاً "أن تكون سياسياً بمرجعية دينية لا يعني بالضرورة أنك ضمنت الجنة وأنّه يمكنك أن تلعب دور الهادي. هذه من خصائص الأنبياء في عصرهم، أما السياسي فدوره التأثير إيجاباً في حياة الناس عبر ممارسته مهنته".
العَلمانية معاداة للإسلام!
ترتبط العَلمانية لدى المغاربة بفصل الدين عن المعيش اليومي وتعزيز الحرية الشخصية، وهو مفهوم نمطي لا يعبر بشكل صحيح عمّا هي العَلمانية وكيف يتعايش الفرد معها في مجتمع متعدد الروافد، يضم خليطاً غير متجانس من تيارات مختلفة.
وترى خولة السلاوي أن "العَلمانية باعتبارها استقلالية الأمور الدينية عن الاتجاهات والآراء السياسية، تستطيع تخليص الأفراد من اعتناق دين معين، أو الالتزام بعادات وتقاليد معينة لا تروق لهم".
لكن الشابة الصحافية تقول في حديثها لموقع (إرفع صوتك) "بالنسبة لي، لا يمكنني قبول العَلمانية كنظام حكم بالمغرب لأنها وبكل بساطة لا تنفع البناء التنظيمي والمجتمعي للمغرب".
وتعتقد أن "علاقة العلمانية بالدين هي علاقة تضارب وصراع، ففي عالمنا العربي العَلمانية هي معاداة الإسلام من ناحية كونه ديناً وهو أمر مروج له، وانتشر إلى حد ما في الذهن ورُسّخ إلى هذا الحد أو ذاك، مع العلم أن الصراع الحقيقي ليس مع الدين، بل مع احتكار رجال الدين والناطقين باسمه لسلطات ما كان ينبغي أن تكون لهم، إضافة إلى ممارسة السياسة باسم الدين".
*الصورة: "لا يمكنني قبول العَلمانية كنظام حكم بالمغرب لأنها وبكل بساطة لا تنفع البناء التنظيمي والمجتمعي للمغرب"/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659