بغداد – بقلم ملاك أحمد:

"بحثت كثيراً عن وظيفة حكومية، لكن بلا جدوى، بسبب الواسطة والعلاقات والمحسوبية التي تلغي حق الحصول على وظيفة لكل من لا تتوافر لديه هذه العلاقات"، يقول سرمد طارق الذي يعاني مع عائلته المؤلفة من والدته وشقيقاته الأربع من عدم قدرته على دفع إيجار المنزل الذي يسكنون فيه.

سرمد عاطل عن العمل. يتأفّف نافخاً في الهواء ويقول موقع (إرفع صوتك) "تعبتُ وأتمنى إيجاد وظيفة مناسبة حتى أعيل أهلي وأتمكن من الزواج وتكوين أسرة".

بحثت.. لكن بلا جدوى

سرمد الذي كان يعمل بعد تخرجه من كلية الآداب – قسم الترجمة طوال السنوات الثلاث الماضية كبائع ملابس متجول في سوق شعبي، يشير في حديثه لموقع (إرفع صوتك) إلى أنّ "هذه المهنة غير مجدية ولا تأتي بدخل يذكر ومشاكلها كثيرة. ولم أستطع الاستمرار فيها".

"ليس بوسعي الاستمرار في بيع الملابس، لأنني عاجز عن توفير رأس المال الكافي"، حسب قوله.

تعرضن للاحتيال بسبب الوظيفة

تقضي الشابة زهراء علي أيامها الآن وهي تحاول تسديد مبلغ 4000 دولار أميركي لزميلاتها اللواتي تعرضن للاحتيال بسببها، على اعتبار أنّ أحدهم تلقى المبالغ منها مقابل تعيينهم في وظائف حكومية ولم يفعل ذلك.

وزهراء شابة في العقد الثاني من عمرها تخلت عن بحثها عن وظيفة لتحقق أحلامها وتساعد عائلتها بعد أن تخرجت من كلية التربية في العام 2011. ورأت أنها تستطيع العمل كمعلمة في مدرسة قطاع خاص، لكنها لم تستمر.

تقول زهراء لموقع (إرفع صوتك) "كنت أتوقع في أيّ لحظة أن يتم تسريحي من العمل أو طردي لأن مشاريع القطاع الخاص غير مطمئنة والدليل على ذلك أنّ أغلبها قد أعلنت إفلاسها أو فشلها".

كان العملُ في القطاع الخاص عالماً مختلفاً بالنسبة لزهراء التي كانت في البداية متحمسة إليه. لكن تدريجياً، بدأت تشعر باليأس والتعب لعدم قدرة إدارة المدرسة على دفع مستحقاتها المالية.

أثار هذا الحال قلق زهراء، فعادت للبحث عن وظيفة في القطاع العام، ربما تستطيع أن توفر لنفسها وعائلتها حياة مختلفة. تروي أنّها تعاملت شخصياً مع أحد الذين وعدوها بوظيفة حكومية، وطلب منها جمع مبالغ لكل من يرغب بالتعيين ثم سرعان ما هرب بعد أن قبض المال مني.

وتشير زهراء إلى أنّ "البطالة هي السبب وراء إقدامي على دفع المال مقابل الحصول على الوظيفة".

معدلات البطالة في البلاد

تظهر إحصاءات وزارة التخطيط العراقية أنّ معدلات البطالة في البلاد قد قفزت إلى 20 بالمئة بحلول العام 2016، حسب عبد الزهرة الهنداوي، المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط.

واحتلت فئة الشباب من خريجي الجامعات النسبة الأكبر في الزيادة الحاصلة بمعدلات البطالة بعد أنّ أصبحت الأوضاع الأمنية أكثر خطورة في البلاد، وبعد نزوح آلاف من المواطنين بسبب العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الذي يسيطر على بعض الأراضي العراقية.

ويقول عبد الزهرة الهنداوي، في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّه "قد لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة كبيرة في نسب البطالة بسبب قائمة من التحديات المتمثلة بتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية".

وتزامنت الزيادة في معدلات البطالة مع إجراءات التقشف التي أقرتها الحكومة في العام 2015 وإعلانها أنّه "لا يمكن إطلاق تعيينات ضمن موازناتها المالية لغاية العام 2019".

العجز في تنمية القطاع الخاص

يفضل الكثير من العراقيين أن يحصلوا على وظيفة حكومية بدل العمل في القطاع الخاص، ومن ضمنهم سرمد الذي يؤكد أنّه يفضل العمل في القطاع العام أو الحكومي "بسبب غياب الضمانات الصحية والاجتماعية في القطاع الخاص".

ويلفت الخبير الاقتصادي هلال الطعان في حديث لموقع (إرفع صوتك) إلى الحاجة لتنظيم سوق العمل وفق هيكلية إدارية ورقابية معنية بمتابعة ارتباط القطاع الخاص بصندوق الضمان الاجتماعي، وكذلك على تخفيض أجور العمال أو تسريحهم الذي دائماً ما يحدث على نحو مفاجئ.

ويقول الطعان "مع الإنفاق الكبير على الوضع الأمني غير المستقر والفساد المالي والإداري سيكون من الصعب ولأعوام طويلة توفير وظائف حكومية لخريجي الجامعات".

ولأن القطاع الخاص في البلاد يقدم مشاريعه ضمن الإمكانيات المتاحة، لذا فإنّه من النادر استمرار مشاريعه، وكثيراً ما تكون أجور العمل فيها متدنية مقارنة بأوقاته.

*الصورة: "لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة كبيرة في نسب البطالة"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".