بقلم أحمد رجب:

2 يوليو 2013، في ميدان الساعة، أحد ميادين مدينة العريش، بمحافظة شمال سيناء، كنتُ جالساً مقرفصاً، مستنداً بظهري إلى حائط نصف متهدم، وأصوات معركة بالرصاص بين مجموعة من الإرهابيين وقوات الشرطة تصنع خلفية لواحد من أكثر مشاهد حياتي رُعباً، أحاول استعادة شريط حياتي صوراً كما في أفلام السينما، ولكن عقلي وحواسي المتعلقة بأصوات الرصاص المتطاير من حولنا يمنعاني، أفكر، لماذا يرفض عقلي استعادة شريط حياتي؟ لماذا يرفض واقعي تقليد أفلام السينما؟ ولكن صراخ شاب عشريني احتمى إلى الحائط المقابل أخرجني من أفكاري التجريدية، صرخ الشاب بهستيريا وجرى إلى قلب الميدان المحموم، يسب الإرهابيين ويلعن السماء التي أنزلتهم إلى العريش.

قاد الخوف الشاب إلى ما كان مفترضاً أن يكون فعله الأخير في الحياة، إلى الموت، بالتزامن وعلى أحد مداخل الميدان، تدخل سيارة مسرعة تحمل سجادتين ملفوفتين فوق شبكة على سقف السيارة، والاشتباكات مستمرة، تطلق قوات الأمن الرصاص في اتجاهها، ظناً منهم أن السجادتين سلاح ثقيل، فيرتبك السائق ويصطدم بعمود نور، وتحمل سيارات الإسعاف السائقَ وراكباً بجواره إلى المستشفى في حالة خطرة. مرة أخرى يقود الخوف شخصين إلى أقرب ما يكون من الموت.

يحركنا في مصر، مجتمعاً ونظاماً، منذ بداية موجة الإرهاب الجديدة في أغسطس 2012، الخوف. الخوف أن نصبح سورية وليبيا، الخوف أن يستطيع الإرهاب السيطرة على سيناء ولو لساعة، الخوف من انكسار كبريائنا الوطني، الخوف من انهيار روحنا المعنوية، الخوف من سقوط المزيد من الشهداء، مزيد من الدماء، ولكن إلى أين يقودنا الخوف؟

يقودنا الخوف إلى ميزانيات ضخمة لمعدات ثقيلة، تقتل ولا تُصلح، يقودنا الخوف إلى خوف من المساءلة والمحاسبة للمسؤولين عن إدارة معركتنا في هذه الحرب، يقودنا الخوف إلى تغيير وتشويه الحقائق كي لا تنهار روح الجنود المعنوية في أرض المعركة، يقودنا الخوف إلى تأجيل كُل ملفات المستقبل لأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، يقودنا الخوف إلى محاربة التنوع لأن كُل مختلف هو خائن ولا يحب الوطن، يقودنا الخوف إلى ما هو أسوأ.

بدافع الخوف، تلك القوة السوداء الغامضة والهائلة، تتغير ملامح البشر والدول والمجتمعات، يمكن للبعض أن يصبح شرساً، حيوانياً، مفترساً، ويمكن لأكثر الدول ديموقراطية والتزاماً بالقانون، أن تتحول إلى فاشية تُعذب في جوانتاناموا وأبو غريب، وتقتل خارج إطار القانون في العراق وأفغانستان، وتفقد أكثر المجتمعات تحضراً كُل قيمها، فتنبذ وتعاقب بشكل جماعي، وتصنع ديكتاتوريات تمتطيها إلى مصير مجهول، دون أن يُسائلها أو يراقبها أحد.

تتم مصر بعد شهور قليلة أربعة أعوام منذ أولى عمليات إرهاب "أنصار بيت المقدس/داعش سيناء" ضد جنودنا في رمضان، وذلك بعد أقل من عامين على انتصار الأمل في ثورة يناير. عاد الخوف للتحكم في مصير البلاد؛ خوفاً من إرهاب يَقتل، يُقتل البعض، خوفاً من إرهاب يكمم الأفواه، تُكمم الأفواه، خوفاً من إرهاب يصَادر الحريات، تُصادر الحريات، خوفاً من إرهاب يقود البلد إلى مصير مجهول، تُقاد البلد إلى مصير مجهول، خوفاً من الإرهاب، يُرهِب البعض مصر وأهلها ومستقبلها، ويصادر منها الأمل.

عن الكاتب: أحمد رجب، صحافي مصري، عمل محققاً صحافياً في جريدة المصري اليوم، ورئيساً لقسم التحقيقات الاستقصائية، ورئيساً لتحرير النسخة الإلكترونية للجريدة، كما عمل مديراً لتحرير برنامج "أخر كلام"، أحد أشهر برامج المسائية في مصر إبان ثورة 25 يناير.

لمتابعة الكاتب على تويتر إضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".