بقلم إلسي مِلكونيان:

"الطريقة الأمثل لإيجاد عمل جيد هي الواسطة"، يقول الشاب حسن جباعي لموقع (إرفع صوتك). "وبما أنني لا أعرف أحداً من أصحاب الواسطة، قضيت وقتاً طويلاً أبحث عن عمل. الخلاصة: مستقبلي ليس في لبنان".

هذه قصة الكثيرين من أصحاب حسن وأبناء جيله مع التوظيف في لبنان، حيث لا يجدون وظائف تناسب دراستهم بعد التخرج.

قصة جيل

بعد أن تخرج جباعي من جامعة رفيق الحريري في لبنان بدرجة ماجستير في هندسة الكومبيوتر والاتصالات عام 2013، تدرّب في شركة اتصالات صغيرة، إلى أن تم توظيفه بعد الأشهر الثلاثة الأولى براتب 800 دولار أميركي في الشهر. بعد ثمانية أشهر، قررت الشركة تخفيض نشاطها في لبنان، ففقد جباعي عمله وشرع يبحث عن فرصة أخرى أخذته إلى دبي. بعد مواجهة تعقيدات إدارية هناك عاد إلى لبنان لينضم إلى سرب العاطلين عن العمل من جديد.

يعلّق جباعي "لقد خدعت باسم الشهادة والفرع الذي درسته. لم أكن أعرف أن هذا ما ينتظرني. بعد عودتي من الخليج أمضيت ثمانية أشهر أبحث إلى أن وجدت عملاً جديداً أبدأ به الشهر القادم".

واجه هاني ديماسي موقفاً مشابهاً. على الرغم من أنه درس هندسة الطيران في الأردن وبريطانيا، إلا أن سوق العمل اللبنانية لم تستقبله بترحاب هو الآخر عندما تخرج في 2013. بعد أن أمضى ستة أشهر في البحث عن وظيفة مناسبة في بلده، وجد ضالته في الأردن وبدأ مسيرته كطيار. قال لموقع (إرفع صوتك) "غادر معظم أصدقائي لبنان لأنهم وجدوا فرصاً للعمل في الخليج. أما من بقي في البلد فهو الأقل حظاً".

من جهة أخرى، قال أكثر من نصف أرباب العمل في لبنان أن نقص توفر الكوادر المتعلمة يمثل العائق الأكبر أمام نمو شركاتهم، حسب تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2016. ويذكر التقرير أن لبنان ومعظم الدول العربية تعاني من موضوع عدم تطابق مؤهلات الباحثين عن عمل مع الشواغر المتوفرة برغم ارتفاع نسبة المتعلمين. فما هي أسباب هذه المشكلة وكيف يمكن معالجتها؟

 المشكلة في المناهج الدراسية

يشير مقال نشرته صحيفة الفاينانشال تايمز حول موضوع التعليم والعمل أن الفجوة بين المهارات التي يبحث عنها سوق العمل وبين كفاءة الخريجين الجدد هي مشكلة عالمية. وتعرض الصحيفة الحل في لزوم التنسيق بين التعليم المهني والمدارس والشركات لتهيئة الطالب لدخول المرحلة العملية.

أما في لبنان فقد شغلت موجات القلاقل السياسية والاقتصادية كافة شرائح المجتمع لسنوات طويلة. فلم تسنح الفرصة للنظر في المناهج الدراسية لتلائم التغيرات التي يشهدها هذا البلد.

 ويشرح نعمة محفوظ، نقيب المعلمين في المدارس الخاصة في حديث لموقع (إرفع صوتك) إلى أن المناهج اللبنانية لم يطرأ عليها تغيير منذ عام 1992 إلى الآن، حيث تجري دراسة في وزارة التربية لتغييرها وهي لا تراعي المهن المتوفرة في لبنان.

"لا تراعي المناهج متطلبات سوق العمل اللبناني، وإنما سوق العمل العربي. مع الأسف لم يعد لبنان سوق عمل للطلاب اللبنانيين، حيث أن نسبة الخريجين العاطلين عن العمل وصلت إلى 35 في المئة. بعد المرحلة الثانوية أو الجامعية يتوجه الطلاب إلى الخليج أو إلى الدول الغربية. إننا نصدر كفاءاتنا العلمية إلى الخارج بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة في لبنان".

ويشير محفوظ إلى ضعف التعليم المهني وعدم قدرته على إعداد أيدي عاملة ماهرة لتكون بديلاً عن العمالة المصرية والأفريقية التي تنافس حالياً العمالة اللبنانية.

 معالجة المشكلة عن طريق الإرشاد المهني

قد يكون التحكم أو الحد من تأثير التوترات الإقليمية على الاقتصاد والسياحة صعباً، لكن يمكن للإرشاد المهني، إن طبق بشكل صحيح، أن يفيد الطلاب وسوق العمل.

يدخل الإرشاد المهني في خطط وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان، إذ تشرح الصفحة الرئيسية على موقع الوزارة الخطة التربوية الشاملة التي تتضمن تنظيم جهاز الإرشاد والتوجيه في المدارس. لكن يرى تربويون أن هناك نقصاً كبيراً في إرشاد الطلبة في المدارس وتعريفهم بمصاعب وتحديات كل مهنة كما تفعل المدارس في الغرب، فلا يتعرضون لتجارب مشابهة لتلك التي عاشها جباعي وديماسي.

تشرح نتالي خطار المرشدة اللبنانية في المجال الأكاديمي-المهني-التربوي في واشنطن لموقع (إرفع صوتك) أهمية الملف التعريفي المتعلق بالوظائف والاختصاصات المطلوبة في أميركا والذي تستلمه مطلع كل عام لتطبقه في عملها. ويختلف هذا عن نوع الإرشاد في لبنان.

تقول خطار "لا يوجد توجيه اختصاصي جامعي في لبنان ولا توجد دراسة تقوم بها وزارة التربية بالتنسيق مع وزارة العمل. من يقوم به هم الأهل والجيران عندما يجتمعون حول فنجان قهوة. لذا يوجد طفح في اختصاصات الطب والهندسة والمحاماة".

وتضيف "من الضروري تطبيق الإرشاد المهني في المدارس في لبنان ليكون اختيار الطلاب لاختصاصهم الجامعي مبني على فهم واقتناع كالطلاب الغربيين".

وإيماناً بضرورة مساهمتها لإيجاد حل لهذا المشكلة، تسعى خطار مع مجموعة من زملائها إلى إرساء دعائم أول مؤسسة للإرشاد المهني في لبنان لتستند على منهجية علمية صحيحة بالتنسيق مع سوق العمل في لبنان.

*الصورة: طلاب جامعيون في لبنان- الجامعة الأميركية في بيروت/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".