بقلم حسن عبّاس:
تحمّل فئات واسعة من المواطنين، وخاصةً الشباب، حكوماتها المسؤولية عن بطالتها وتطالبها بتوظيفهم أو بتبنّي سياسات تساعد على خلق فرص عمل في البلاد. فهل الحكومات قادرة فعلاً على تلبية طموحات هذه الفئات؟
في الأساس هل على الحكومات لعب دور في الاقتصاد أم عليها ترك كل الأمور للأسواق؟
برأي أستاذ الاقتصاد في المدرسة العليا للتجارة في باريس المنصف شيخ روحه "على الدولة مسؤولية تنشيط العمل الاقتصادي وحتى عمل القطاع الخاص نفسه".
خطوات ممكنة
وإذا كانت كل الحكومات حول العالم تواجه تحدّي خلق فرص عمل للمواطنين وعدم السماح للبطالة بتجاوز نسب معيّنة، فإن الحكومات العربية تواجه تحديات مضاعفة لأسباب ديموغرافية.
فالمجتمعات العربية شابّة وأكثر من نصف عدد سكانها يقلّ عمره عن 40 سنة، كما أن معدّل الولادات مرتفع. وهذا يعني أنه يجب خلق وظائف أكثر مما تخلقه الدول الصناعية الحديثة لاستيعاب نسبة الشباب التي تتدفّق سنوياً إلى سوق العمل.
وقال المنصف الشيخ روحه لموقع (إرفع صوتك) إن "البرامج الحكومية يجب أن تكون منسّقة مع القطاع الخاص وأن توضع بالتناغم معه لأن القطاع الخاص هو الذي سيخلق الثروة الوطنية وهو الذي سيساعد على تحقيق نمو اقتصادي ضروري لتوفير المزيد من الوظائف في سوق العمل".
وشرح أنه ليس هنالك من إجراء واضح إذا اتخذته الدولة يؤدي إلى خلق وظائف. وبحسب تعبيره، "ليس هنالك من زرّ يمكن للحكومة أن تضغط عليه للقيام بذلك".
ودعا الحكومات العربية إلى التوقف عن النظر إلى المواطنين كرعيّة والتوقف عن اعتبار أن السياسات الاجتماعية للحكومة في المناطق الفقيرة هي "صدقة" واعتبارها "استثماراً لخلق الثروة".
ولخلق فرص عمل جديدة اقترح الشيخ روحه خطة من ثلاثة مسالك متوازية:
أولاً، بناء البنى التحتية وخاصة الطرقات السريعة في جميع أنحاء البلاد لأن عمل الشركات الخاصة والمستثمرين يحتاج إلى ذلك. وعن تقصير الحكومات العربية في هذا الأمر ضرب مثل وجود طريق سريع بنته الجزائر ويبدأ منها ويصل حتى ساحل العاج وعلّق "هي بعيدة عن تونس قرابة 200 كيلومتراً فقط ولكن الحكومة التونسية لم تربط بلادها بها. فهل يجوز ذلك؟ هذا لو حصل لكان دعم كثيراً تصدير المنتجات المحلية التونسية".
ثانياً، إنشاء الحكومة بالشراكة مع المصارف التجارية صناديق لتمويل المشاريع الصغيرة. وبرأيه، "كل مواطن لديه فكرة ولديه خطة لتسويق منتجاته وخبرة وسمعة حسنة يمكن أن يقترض من هذا الصندوق بغض النظر عن شهاداته". وأكّد أن هذا يؤدي إلى "وضعية ربح ربح. والأموال التي تضعها الدولة في الصندوق لا تتبخّر كما يحصل عادةً بل تبقى لأن المستفيدين منها سيعيدونها".
ثالثاً، تأهيل الشباب من خلال الجامعات والمعاهد الرسمية بشكل جيّد ومنسجم مع حاجات سوق العمل لأن "المستثمر لا يبحث فقط عن اليد العاملة الرخيصة بل أيضاً عن اليد العاملة الكفوءة". وروى تجربة سنغافورة في هذا المجال إذ فرضت على الشركات رفع أجور العاملين مقابل السماح لها بالاستغناء عن خدمات العمال غير الكفوئين. وحصل ذلك ثم قامت الدولة بإعادة تأهيل مَن فقدوا وظائفهم ما سمح لهم بالدخول بقوة إلى سوق العمل مجدداً. أما في تونس، كما لاحظ، فإن المستثمرين الأجانب ينقلون أعمالهم إلى بلاد أخرى لأن متوسط المستوى التقني للتونسيين انخفض.
دور أساسي للقطاع الخاص
وتطالب بعض الأصوات بأن تقوم الدولة بتوظيف الخريجين الجدد. وهذا الخطاب ينتشر أكثر في دول الخليج الصغيرة لأنها دول غنيّة وعدد سكانها قليل.
من هذا المنطلق انتقد الدكتور محمد حسن الكندري، النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي، توجه حكومة بلاده إلى خصخصة بعض الخدمات العامة، على اعتبار أن من واجب الحكومة توظيف المواطنين.
https://twitter.com/AL_KANDARY/status/708894445794697216وفي السعودية، يُثار سجال حول تأمين فرص عمل للمواطنين قبل الأجانب. ويقول المؤسس والمدير التنفيذي لشركة رمال، الكاتب الاقتصادي عصام الزامل:
https://twitter.com/essamz/status/689808594053812224لكن القطاع العام، وخاصة في الدول غير النفطية، لا يمكن أن يستوعب إلا نسبة قليلة من المواطنين، لا بل أن تضخّمه سيؤدي إلى استنزاف موارد الدولة على تغطية الرواتب والأجور ويمنعها من الاستثمار في خطط تنموية حقيقية.
ويبقى أن مشكلة البطالة لا يمكن أن يعالجها إلا قطاع خاص فعّال يستثمر في مشاريع تخلق فرص عمل.
ويمكن أن ينشأ نوع من التعاون بين المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص من خلال الاتفاق على شراكات من نوع توفير الدولة اختصاصات تعليمية معيّنة مقابل تعهّد مجموعة شركات بتوظيفهم. كما يمكن أن تقدّم الدولة حوافز للمستثمرين من أجل توجيههم إلى قطاعات معيّنة أو مناطق معيّنة.
وبحسب الشيخ روحه "لا يمكن خلق فرص عمل للشباب العربي من دون توافق اجتماعي واسع على رؤى اقتصادية وخطط يجب العمل عليها، لأن غياب الاستقرار السياسي لا يسمح بتبنّي سياسات فعّالة".
*الصورة: شباب عاطلون عن العمل في العاصمة التونسية/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659