بغداد – بقلم ملاك أحمد:

"لم يخطر في بالي قط أن أتحول من مهندس إلى سائق سيارة أجرة"، يقول كرار الخفاجي الذي دفعته صعوبة الوضع الاقتصادي في البلاد للعمل كسائق سيارة أجرة.

يجوب كرار، 27 عاماً، يومياً شوارع العاصمة بغداد من السابعة صباحاً حتى الثامنة ليلاً، بحثاً عن الزبائن الذين يوقفونه ليقلّهم بسيارته. يتنهّد ويقول لموقع (إرفع صوتك) "لو كنت أملك الخيار، لما عملت سائق سيارة أجرة. لكن هذا العمل كان فرصتي الوحيدة".

صرتُ عاطلاً عن العمل

كرار الذي كان من المفروض أن يعمل بعد تخرجه من الجامعة التكنولوجية – قسم هندسة تكييف ضمن تخصصه في مجال صيانة أجهزة التكييف، وجد نفسه عاطلاً عن العمل. ومع اتّباع القطاع الخاص سياسات للتوظيف تعتمد بالأساس على سنوات خبرة وممارسة عمل لا تقل عن خمسة أعوام في مجال صيانة أجهزة التكييف، أصبح من الصعب على كرار العمل.

"النظر إلى وثيقة تخرجي الجامعية يسبب لي الحزن والأسى، لطالما تحملت الظروف القاسية حتى أحصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة"، يقول الشاب.

سيارة بالتقسيط

يروي كرار كيف أنّ أشخاصاً طلبوا منه الرشوة المرة تلو الأخرى لكي يسهّلوا عليه أمر الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي، لكنه رفض لعدم توفر ما يكفي من المال. ويعبر عن حسرته لكونه لم يتمكن من الحصول على فرصة عمل مناسبة بعد خمس سنوات من التخرج (تخرج عام 2011)، الأمر الذي دفعه لاقتناء سيارة بالتقسيط والعمل لتسديد ثمنها. لم تكن مسألة تسديد ثمن السيارة التي تعد مصدر رزقه الوحيد الأزمة الوحيدة بالنسبة إليه، بل كذلك المشاكل التي تترتب عليه في حال تأخره عن دفع مستحقاتها المالية.

تحديات لا تتوقف

العمل كسائق سيارة أجرة في البلاد مثله مثل أي مشروع استهلاكي بلا ضمانات قد يأتي بالخسارة أو الربح، وبالتالي فإن ما يحصل عليه كرار من أجور يومية يذهب أغلبه لصيانة السيارة.

يشير الشاب إلى أنّ الأوضاع الأمنية غير المستقرة والحرب على داعش عوامل دفعت الكثير من النازحين الذين واجهوا خطر البطالة في بغداد إلى العمل كسائقي سيارات أجرة، الأمر الذي انعكس سلباً على عمل كرار.

التحديات التي يواجهها كرار في عمله هذا لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتعداه إلى تأثر رزقه اليومي مع توقف حركة مرور السيارات على الطرق وإغلاقها من قبل رجال الأمن، خاصة مع استمرار موجة التظاهرات والاعتصامات المطالبة بالإصلاحات الحكومية في شوارع المدينة الرئيسة.

كما يتحدّث كرار عن عزلته الاجتماعية بسبب عمله كسائق سيارة أجرة "فجميع رفاقي من خريجي الجامعة التكنولوجية قد هاجروا الى دول الغرب بحثاً عن فرص عمل، لكني تخلفت لأنّه لا يمكنني ترك عائلتي، أبي وأمي وإخوتي، ولا قدرة لدي على توفير تكاليف الهجرة".

*الصورة: "جميع رفاقي من خريجي الجامعة التكنولوجية قد هاجروا الى دول الغرب"/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".