صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

يمضي فهمي نصيب، منذ أكثر من ثلاث سنوات، أياماً عصيبة في العاصمة اليمنية صنعاء، إثر عدم حصوله على فرصة عمل منذ تخرجه من دراسته الجامعية عام 2012.

ومثل هذا الشاب، هناك عشرات الآلاف وربما مئات آلاف الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل، بينما فقد نحو أربعة ملايين شخص مصادر دخلهم نتيجة الحرب التي دخلت عامها الثاني في البلاد، وفقاً لتقديرات منظمات محلية ودولية.

تجربة صعبة وروتين ممل

 في منزل مكون من غرفتين، شمالي غرب العاصمة صنعاء، يحاول فهمي وأشقاؤه الصغار (عددهم ثمانية) ووالداه، التأقلم مع وضعه الحالي.

"تخرجت عام 2012 من قسم الكهرباء في كلية الهندسة - جامعة صنعاء، وحتى اللحظة عاطل عن العمل. تقدمت حينها بطلب توظيف في المؤسسة العامة للكهرباء ولم تنجح محاولتي"، يقول فهمي، 29 عاماً، لموقع (إرفع صوتك).

يروي الشاب اليمني أنّه عاش تجربة صعبة وعانى الكثير خلال دراسته الجامعية، سواء من حيث التكاليف التي تكبدها والده (موظف حكومي بسيط)، أو الجهد الذي بذله من أجل النجاح أملاً بالحصول على عمل لائق.

"روتين ممل.. أجد نفسي قاعداً في المنزل، كذلك والدي ووالدتي محبطان"، هكذا يصف فهمي واقعه وأسرته.

عالة.. ومضي إلى المجهول

لا يختلف الحال بالنسبة لزميله، نجيب عبدالعليم، 30 عاماً، الذي بحث عن عمل في القطاع العام والخاص، دون جدوى. فنتيجة الأزمة اليمنية التي بدأت عام 2011 بثورة شعبية أطاحت بحكم الرئيس اليمني السابق علي صالح، قامت الكثير من شركات القطاع الخاص بإغلاق مكاتبها.

ويشعر نجيب، الذي تحدّث معه موقع (إرفع صوتك)، أن الزمن يمضي به إلى المجهول. "لم نُكوّن ما كنا نحلم به أثناء دراستنا في الجامعة. كنا نظن أن المستقبل سيكون أفضل، وأننا سنفيد بلدنا، للأسف لا شيء حتى الآن".

وبالإضافة إلى حياة العزوبية التي يعيشها نجيب قسراً، هناك شعور بعدم الاستقرار وخيبة الأمل والضياع. "أحصل على مصاريف من أهلي، لا زلت عالة على أسرتي، التي كنت أحلم بخدمتها"، يقول الخريج الجامعي.

مسؤولية الحكومات المتعاقبة

يعد التعليم العالي في اليمن مشكلة رئيسية في حياة البلد لمساهمته في تكديس العاطلين من المتخرجين نتيجة التكرار والاستنساخ للأقسام العلمية والإنسانية والتطبيقية.

وتخرج من الجامعات اليمنية 33 ألف طالباً وطالبة عام 2012/2013 بزيادة تجاوزت 27 في المئة عن العام الدراسي 2007/2008، وفقاً لأحدث تقرير أصدره "المجلس الأعلى لتخطيط التعليم".

لكن قليلون هم من يحصلون على فرص عمل، حيث تفاقمت الأزمة الإنسانية في اليمن بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة.

وتراوحت أعداد المسجّلين من طالبي الوظائف الحكومية في وزارة الخدمة المدنية والتأمينات ما بين 260 إلى 280 ألف نهاية عام 2015، أكثر من 50 بالمئة منهم خرّيجي جامعات، بحسب مسؤول رفيع في الوزارة فضل عدم ذكر اسمه.

ومنذ العام 2012، تراجعت عملية التسجيل المنتظم لدى الخدمة المدنية، بعد توقف اعتماد وظائف جديدة لدى جهاز الدولة، بينما لا تتوفر معلومات دقيقة عن أعداد المسجّلين في القطاع الخاص.

وأضاف المسؤول لموقع (إرفع صوتك) أن جزءاً كبيراً مما تمر به اليمن "سببه انسداد الأفق أمام الشباب، وعدم قيام الحكومات اليمنية المتعاقبة بمسؤوليتها تجاه خلق فرص عمل لهم تستغل طاقتهم وتؤمن مستقبلهم".

آثار وخيمة

ويعطي هؤلاء الخريجين العاطلين صورة سوداوية لأوضاع ملايين السكان المعدمين. وتُخلف الظاهرة آثاراً اجتماعية ونفسية واقتصادية وخيمة بحسب الأكاديمي المتخصص في علم النفس بجامعتي صنعاء وعمران الدكتور صلاح الجماعي، منها الإحباط واليأس والشعور بالدونية، واستنزاف الموارد.

ويقول الجماعي لموقع (إرفع صوتك) إنّ هؤلاء الشباب يكونون صيداً سهلاً للجماعات الجهادية والمتطرفة حيث أن الكثير منهم يشعر "بفقدان الهوية والانتماء للوطن، بدليل الهجرة وغيرها".

"تخلف الظاهرة نظرة سلبية حول قدسية التعليم وأهميته، أيضاً يتولد من خلالها الانحراف والفساد الأخلاقي"، يضيف الجماعي.

ويتابع "لا بد من تحرك جاد لمعالجة هذه المشكلة المتفاقمة بأبعادها المختلفة".

*الصورة: طلاب يمنيون يدرسون في الظلام/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.