المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

"لا نقول أننا حققنا كل مطالبنا، لكن الأهم هو أننا استطعنا أن نبعث روح النضال والتغيير في صفوف الشباب، فما حققناه في فترة وجيزة كفيل بأن يدفعنا إلى الأمام لتحقيق ما بقي من أهداف"، يقول رشيد العلمي، وهو شاب في الثلاثينيات ممن ساهموا في الحراك الشعبي بالمغرب قبل خمس سنوات.

يضيف العلمي بنبرة واثقة من التغيير "ما زلنا نطمح في التغيير والعيش في وطن يضمن كرامة وحرية الجميع، ولن نسكت عن الفساد، ولا زلنا نطالب بفضح المتورطين فيه ومحاسبتهم والاستجابة لجميع مطالب الحركة دون شروط".

يأمل العلمي أن يشارك الشباب في حملات المطالبة بالتغيير وعدم الاكتفاء بلعب دور المتفرج، لأن ذلك، حسب رأيه "يفتح الباب أمام الفساد للتوغل (في كل مفاصل الدولة) لأنه لم يجد من يقف في وجهه ويفضحه".

الحراك في المغرب

بعد خمس سنوات على انطلاق الحراك الاحتجاجي بالمغرب، توضع اليوم حصيلة هذا الحراك تحت المجهر. وتتباين الآراء بين قائل إن مطالب التغيير تمت الاستجابة لها وإن كان ذلك ليس في مستوى التطلعات، وبين حالم بعودة الحراك من جديد إذا استمرت الأوضاع كما هي عليه.

ترى سكينة، 24 عاماً، وقد فضلت التحفظ على اسم عائلتها، أنّه لولا الحراك الشبابي الذي قادته حركة 20 شباط/فبراير 2011، إبان ثورات الربيع العربي، لبلغ الفساد أوجه، ولكانت معاناة الكثير من المواطنين من التهميش والإقصاء قد تفاقمت.

"في السابق، لم يتجرأ أحد على رفع شعارات التغيير في الشوارع المغربية، مما يعني أنّنا نجحنا في كسر هذا التابو (الأمر المُحرم) الذي جعل المغاربة رهينة لسياسات لا علم لهم بها، وما استجابة الدولة لمطالبنا إلا دليل على أن الاحتجاج أتى بنتيجة"، تضيف سكينة في حديثها لموقع (إرفع صوتك).

وتتمنى سكينة أن "يعود الدفء والصخب لشوارع المدن من جديد للمطالبة بمزيد من الإصلاحات خاصة بعد أن أبانت سياسات الحكومة عن عجزها وفشلها في حل كثير من القضايا".

قصة البداية

انطلقت مطالب التغيير في المغرب على شكل مجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تتحول إلى تنسيقيات على أرض الواقع في جل المدن المغربية، حيث تجمع شباب وضعوا قائمة مطالب طويلة وكلهم أمل في استجابة وفيرة.

وهكذا خرجت مظاهرات احتجاجية اطلق عليها اسم "حركة 20 فبراير" إسوة باليوم الذي بدأت فيه أولى احتجاجات الحركة، ضمت في صفوفها أطيافاً شبابية وحقوقية وسياسية متعددة، وضعت قائمة مطالب طالبت بتحقيقها وتغيير واقع الحال في البلاد التي نخرها الفساد، وتعمقت فيها الفوارق الاجتماعية والتضييق على الحريات، بحسب ما تضمنه البيان التأسيسي للحركة في 17 شباط/فبراير 2011.

ضمت الحركة في صفوفها أبناء "الشعب المقهورين" ممن سئموا من الوعود، والذين اكتووا بالارتفاعات الصاروخية للأسعار، واستشراء المحسوبية والفساد وما إلى ذلك من المعضلات الاجتماعية التي أقضت مضجعهم دون أمل في التغيير، فكان الخروج إلى الشارع للمطالبة بذلك هو السبيل.

ماذا تحقق؟

"خرجنا لنطالب بالديموقراطية وإحقاق العدالة، ومحاكمة ناهبي خيرات الوطن، لم نرد إثارة الفوضى ولا إسقاط النظام، وإنما أردنا أن تتحقق مطالبنا ونعيش بكرامة"، يقول محمد أمين، 29 عاماً، الذي شارك في الاحتجاجات التي نظمتها حرمة 20 فبراير طيلة أيام احتجاجها.

ويضيف محمد بأن حركة 20 فبراير كان لها الفضل في تحريك مياه ركدت لسنوات، مشيراً إلى أن الحركة أعادت الأمل للمواطنين المغاربة في التغيير "فكان أن تمت الاستجابة لعدة مطالب أهمها تغيير الدستور وإجراء انتخابات مبكرة أفرزت حكومة جديدة وعدت بتحقيق ما عجزت عنه سابقاتها".

خفوت أصوات التغيير

وبعد خفوت الاحتجاجات في المغرب والتي كانت تؤطرها حركة 20 فبراير، يعود الجدل من جديد حول مستقبل هذه الحركة ولماذا اختفت من الشوارع، وهل ذهبت مطالب التغيير في المغرب أدراج الريح بعد تفكك الحركة وبعد خروج جماعة العدل والاحسان المعارضة، إحدى أهم مكوناتها، من التنظيم.

وفي هذا الصدد يقول عبد الرحمن إسلام، 35 عاماً، لموقع (إرفع صوتك) "الحركة لم تمت، والمطالبة بالتغيير لم تتوقف مع خلو الشوارع من الاحتجاجات، بل هي استراحة محارب للاستكمال ما بدأناه قبل سنوات"، مشيرا إلى أنه "رغم اختفاء رموز الحراك المغربي في السابق، فإن ذلك لا يعني أن المهمة قد أنجزت وأن المطالب تحققت".

ويتساءل عبد الرحمن في حديثة لموقع (إرفع صوتك) عن الأسباب التي جعلت المغاربة ينفرون من المطالبة بالتغيير رغم المشاكل التي يعيشونها كل يوم في كافة المجالات، قبل أن يجيب "لعل ذلك بسبب الوعود المعسولة التي قدمتها الحكومة للمغاربة والتي لم يتحقق منها إلا القليل على حساب قدرتهم الشرائية".

ويضيف المتحدث أن "الحراك الاحتجاجي في المغرب تضرر كثيراَ بعد خروج أبرز مكوناته وهي جماعة العدل والإحسان المعارضة، فضلاَ عن هجرة وجوه بارزة نحو الخارج، وتفضيل آخرين الاستفادة من الفرص التي منحت لهم، تاركين وراءهم أحلاماً لم تتحقق".

*الصورة: “الحركة لم تمت والمطالبة بالتغيير لم تتوقف”/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتاب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".