بقلم علي عبد الأمير:

هل ما زال الشباب واثقاً بإمكانية التغيير وأهمية التعبير السلمي عن ذلك؟ وإذا كانت فكرة "لا ديموقراطية بلا ديموقراطيين" صحيحة فكيف يمكن الوثوق بإصلاح من دون إصلاحيين؟ وهل ثمة مصلح حقيقي اليوم يمكن الرهان عليه، زعيماً كان أم تياراً فكرياً وسياسياً؟

تلك أسئلة وضعناها قيد النقاش في جو من الحرية والتبادل الواسع للآراء في مجموعة "نريد أن نعرف" على موقع فيسبوك، علّها تدلنا إلى جواب حول قضية مهمة، تتعلق بثقة الشباب بإمكانية التغيير وأهمية التعبير السلمي عن ذلك.

قادة كثر لإصلاح لم يولد بعد؟

وفي باب النقاش كتب يحيى ذياب أن المشكلة ليست بوجود مصلح واحد أو أكثر بل إن السؤال هو "كيف سيكون هناك إصلاح حقيقي في وقت تعدد فيه المصلحون وباتوا يختلفون فيما بينهم؟ ثم هل من الممكن أن يثق العراقيون بأشخاص جدد بعد أن صدموا وأحبطوا على مدى 13 سنة؟ أعتقد أنّه لن يكون هناك إصلاح إلا بتوحّد كلمة المصلحين عسى أن تعود الثقة مرة أخرى إلى الجماهير"،  ليخلص إلى القول "أشك في ذلك. كون المصلح الحقيقي لم تلده أمه بعد".

إلى ذلك، يحذر الناشط المدني عمر نزار النوح من أن غياب الإصلاح لفترة أطول قد يؤدي إلى وصول الأجيال الشابة إلى خيارات سلبية، موضحاً لموقع (إرفع صوتك) في مداخلة خاصة  أنّه "لم يعد أحد، في نظري، يعتقد أن التغيير سيكون سلمياً، أو على الأقل من الأطر السلمية والقانونية. فالديموقراطية أصبحت مشوهة إلى درجة اعتراف السياسي بالرشوة واعتبار ذلك أمراً طبيعياً، أو أن يعتقد عضو مجلس محافظة أن الشعب جاهل وغبي، ويمر هذا دون اعتبار ولا محاسبة" .

ويستدرك النوح قائلاً "الشعب أصبحت لديه حالة مربكة من ضياع الهوية إلى سلب إرادته لأكثر من مرة. وانعدام الثقة بين السلطة والشعب أدى إلى حالة نفور تتحول تارة إلى الاستسلام وأخرى إلى الثورة بأدوات سلمية، وفي الحالتين تتمكن الأحزاب من تحويل أي فورة مشاعر لصالحها ولتحقيق مكاسبها الضيقة، بحيث أصبحت لدينا قناعات بصعوبة التغيير، فالواقع السياسي أصبح عصياً على التغيير طالما ظل محصناً بالسلاح والمليشيات".

لا وجود لحلّ سحري بل عملية تراكمية

أما المهندس والكاتب نائل عمران  فيتساءل "هل يمكن للسياسيين إحداث التغيير المرجو، أم أن الأمر يتعلق ببنية المجتمع وتطوره الحضاري، أي بكلمات أخرى هل يمكن لسياسيين تنويريين أن يأخذوا المبادرة ويقودوا المجتمع والبلد إلى مستقبل أفضل بحيث يتوافق مع مستوى معقول من مسايرة الحداثة والتقدم، أم أننا نحتاج إلى حد أدنى من أسس وبنية مجتمعية تستجيب لمتطلبات الحكم الرشيد؟".

ويصل عمران إلى قناعته أن لا وجود لحل سحري وسريع، بل عملية تراكمية تتطلب سنوات طوال يتم بها اكتساب المهارات من التجربة العراقية نفسها.

وعملية الإصلاح تبدو وهي تعاني صعوبات جمة "بوجود ثغرات في الدستور وسياسيين استغلوا هذه الثغرات للاستفادة من السلطة والثروة"، كما يلفت إلى ذلك، سهيل كبّه، مشدداً "علينا أن نعي ضرورة إنجاز الكثير في بنية الحكم والأحزاب، وزيادة الوعي لدى شرائح وطبقات المجتمع من خلال عملية تراكم في مختلف مناحي الحياة، وهذه بحاجة الى فترات زمنية ليست بالقليلة، ومن ثم فإن جملة المعضلات سيتم حلها بوجود وعي يتزامن بوجود سياسي لأحزاب تعمل لصالح من تمثله لا كما يجري الحال عندنا".

ليس أصعب من تغيير نظام صدام حسين!

ويرى رعد الأسدي أنّه طالما كان أساس البناء خاطئاً ومعوّجاً، فكل ما يبنى عليه حتما سيكون معوّجاً ومشوهاً، ولذا فإن "أي إصلاح بغير نسف القواعد الخاطئة التي بني عليها هذا النظام الفاسد (الحالي في العراق) هو مجرد ضحك على الذقون. المشهد معقد للغاية، لكن تغييره لن يكون حتماً أصعب من تغيير نظام صدام حسين الذي كان راسخاً في الحكم حتى سابع أرض".

*الصورة: جانب من الاحتجاجات ضد الفساد وسوء الخدمات في العراق/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".