بقلم حسن عبّاس:

أعادت الاحتجاجات التي خرجت في مصر في الفترة الأخيرة الحديث عن مطالب المعارضين المصريين الرافضين لواقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، حتى أن البعض راح يعبّر عن مطالبه تحت هاشتاغ #الثورة_مستمرة.

المشاركة في الاحتجاجات الأخيرة كانت خجولة بسبب الخطة الأمنية التي طُبّقت منعاً لخروج تظاهرات، ودُعّمت بموجة اعتقالات طالت مئات الشباب. فقد أحصت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اعتقال 382 شخصاً على الأقل قبل وأثناء تفريق الاحتجاجات التي خرجت في 25 نيسان/أبريل من العام الجاري.

آخر العناوين العريضة للاعتراض كان رفض قرار السلطات المصرية اعتبار جزيرتي تيران وصنافير ضمن المياه الإقليمية السعودية. لكن حول هذا العنوان عادت مجموعة مطالب أخرى للخروج.

من إطلاق سراح المعتقلين السياسيين إلى وقف ممارسة الاعتقال التعسفي إلى إلغاء قانون التظاهر... كثيرة هي هذه المطالب الأخرى. وربما يمكن حصرها تحت خمسة عناوين "استراتيجية":

إعادة الحياة السياسية

يطالب المصريون المعارضون بوقف الانتهاكات لحرية التعبير وباحترام الدستور الذي يعتبرونه أبرز منجزات ثورة 25 يناير.

"أساساً لا توجد حياة سياسية في مصر"، قالت الطبيبة النفسية والناشطة سالي توما مضيفةً "نحن تحت حكم نظام عسكري" ومتحدثة عن منع كل أشكال التحركات الاحتجاجية، مع أن "المعارضة هي حق دستوري وعالمي".

وأوضحت لموقع (إرفع صوتك) أنها ترى أن مصطلح مطالب لا يعبّر عن واقع الحال لأن المطالب تفترض وجود جهة نطالبها وقد تلبي مطالبنا بينما "السلطة المصرية لا تقبل بأي حوار".

ولكنها وافقت على استبدال المصطلح بآخر هو "الأهداف"، وقالت "يستمر المعارضون في العمل على توسيع الأفق السياسي وهو هدف سيبقى مطروحاً حتى لو سقط ضحايا ومعتقلون".

إصلاح الداخلية

لا يمكن تطوير النظام المصري ديموقراطياً بدون إصلاح "الداخلية" (أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية) والقضاء والإعلام، برأي المدير التنفيذي لـ"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" المحامي جمال عيد.

يؤرخ للثورة المصرية بتاريخ 25 يناير، وهو يصادف "عيد الشرطة"، وفي هذا التداخل بين التاريخين دلالات كثيرة على رفض المصريين لممارسات هذا الجهاز.

بعد الثورة "كانت الداخلية في حالة انكسار"، برأي عيد الذي أضاف لموقع (إرفع صوتك) أن "النظام كان يقدّم رِجلاً ويؤخر رِجلاً في مسألة إصلاح الداخلية. وحاول المجلس العسكري ومن بعده الإخوان المسلمون أن يوظفا هذا المطلب الشعبي لمصلحتهما بهدف بناء شرطة السلطة لا شرطة الشعب".

واعتبر عيد أن "الشرطة عادت إلى سابق عهدها بعد 3 تموز/يوليو 2013 مع رغبة دفينة بالانتقام لما حدث في 28 كانون الثاني/يناير 2011"، حين هاجم الثوار مقارّها.

ولخّص الإشكالية التي تحتاج حلولاً بعناوين سوء معاملة المواطنين، والقبض العشوائي على الناس، والتعذيب، والإفلات من العقاب الذي يشجع عناصر أخرى على عدم احترام حقوق المواطنين.

إصلاح القضاء

ينتقد الناشطون المصريون ما يعتبرونه تدخلاً من السلطة السياسية ممثلة بوزير العدل في شؤون القضاء.

وبرأي جمال عيد، "ينقسم القضاة المصريون بين جناحين أحدهما يطالب بأن يكون القضاء سلطة مستقلة ويعتبر أن ولاءه هو للقانون وللمواطنين، والآخر يعتبر أنه جزء من نخبة مستفيدة من السلطة وعليه تقديم الولاء لها".

بعد ثورة يناير كان مطلب إصلاح القضاء من ضمن المطالب التي رُفعت. ومرّة أخرى يتهم عيد المجلس العسكري والإخوان المسلمين بعدم الاستجابة للشعب وبتعيين مقرّبين من سلطتهما في المواقع الأساسية.

أما بعد يوليو 2013، فيتحدث عيد عن حركة واسعة من عزل وإحالة قضاة على التقاعد ومناقلات، ويصفها بأنها "مجزرة"، شارحاً أن ثمرة ذلك هي موافقة القضاء على التراجع عن أحكام بالإفراج عن معتقلين والاهتمام بالدعاوي التي يرفعها الموالون للنظام ووضع دعوات ضد رموز السلطة في الدرج، ومستنتجاً أن "العدالة مختلة في مصر والمواطنون لا يشعرون بعدالة القضاء".

إصلاح الإعلام

كثيرة هي الأخبار عن مصادرة صحف وإغلاق مواقع إلكترونية في مصر. ويلفت عيد إلى "عملية تضييق على الإعلاميين المهنيين واستبعادهم من وسائل الإعلام الرسمية ومن الإعلام الخاص الذي يرتبط مع السلطة بمصالح، إضافة إلى وضع قوائم سوداء للممنوعين من الاستضافة في البرامج التلفزيونية، عدا إطلاق العنان للتضليل والتحريض على الكراهية".

وبما أن الحريات الإعلامية هي جزء أساسي من حرية الرأي والتعبير التي تكفلها المواثيق الدولية، يخلص عيد إلى ضرورة "وقف تدخل السلطة في مجال الإعلام وتحويل الإعلام الرسمي من إعلام السلطة إلى إعلام الشعب".

اقتصاد في خدمة المواطن

يطالب المصريون برفع الحدّ الأدنى للأجور خاصةً في ظل رفع الحكومة الدعم عن بعض السلع الأساسية ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل لم يعهدوه سابقاً.

وأشارت سالي توما إلى وجود مشكلة أساسية تتمثل في أن "الموازنتين المرصودتين للتعليم والصحة أقل من الموازنة المرصودة للداخلية"، متهمة النظام بأنه "يريد بناء السجون لا المدارس والمستشفيات".

ومن جانب آخر، انتقدت توما حرص النظام على بناء مشاريع وصفتها بأنها "شبه قومية" قاصدة أن النظام يرمي من ورائها إلى الظهور بمظهر النظام صاحب الإنجازات الكبرى في حين أن ما يقوم به غير مجدٍ اقتصادياً، أو "فنكوش"، كما وصفته بالعامية المصرية، ضاربة مثل مشروع قناة السويس الجديدة.

*الصورة: متظاهرون في القاهرة يحتجون على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع السعودية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.